فاما قوله: (ولا يصح أنها دفنت ليلا وإن صح فقد دفن فلان وفلان ليلا) فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة كالشمس الطالعة، وان منكر ذلك كدافع المشاهدات، ولم نجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة فيقال: قد دفن فلان وفلان ليلا، بل المراد الإحتجاج بذلك مع ما وردت من الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواترة انها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، وصرحت بذلك وعهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما.
فلما طال عليهما المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في أن يستأذن لهما وجعلاها حاجة إليه، فكلمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وألح عليها، فأذنت لهما في الدخول ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تتكلمهما، فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام): قد صنعت ما أردت؟
قال: نعم، قالت: فهل أنت صانع ما آمرك؟ قال: نعم، قالت: فإني أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي، ولا يقوما على قبري.
وروي انه (عليه السلام) عمى على قبرها، ورش أربعين قبرا في البقيع ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه، وانهما عاتباه على ترك إعلامهما لشأنها واحضارهما للصلاة عليها، فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا، ولو كان ليس غير الدفن بالليل من غير ما تقدم عليه وتأخر عنه لم يكن فيه حجة، إنتهى كلامه (1).
قال في البحار (2): ومما يدل من صحاح أخبارهم على دفنها ليلا، وان أبا بكر لم يصل عليها، وعلى غضبها عليه وهجرتها إياه، ما رواه مسلم في صحيحه وأورده في جامع الأصول عن عائشة في حديث طويل بعد ذكر مطالبة فاطمة (عليها السلام) أبا بكر في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفدك وسهمه من خيبر، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي