البذاء، وأن تقول هجرا، أو تجور عادلا، أو تقطع واصلا، فإذا لم نجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور، واستوت الأسباب، فالرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم، وأوجب علينا وعليكم.
وإن قالوا: كيف يظن ظلمها والتعدي عليها، وكلما ازدادت فاطمة عليه غلظة إزداد لها لينا ورقة، حيث تقول: والله لا أكلمك أبدا فيقول: والله لا أهجرك أبدا، ثم تقول: والله لأدعون الله عليك، فيقول: والله لأدعون الله لك.
ثم يحتمل هذا الكلام الغليظ والقول الشديد في دار الخلافة وبحضرة قريش والصحابة، مع حاجة الخلافة إلى البهاء والرفعة، وما يجب لها من التنويه والهيبة، ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا أو متقربا كلام المعظم لحقها، المكبر لقيامها، والصائن لوجهها، والمتحنن عليها: ما أحد أعز علي منك فقرا، ولا أحب إلي منك غنا، ولكن سمعت رسول الله يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة.
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أريبا وللخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم، وذلة المنتصف، وجدة الوامق، ومقة المحق، وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة ودلالة واضحة، وقد زعمتم أن عمر قال على منبره: (متعتان كانتا على عهد رسول الله: متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما) (1) فما وجدتم أحدا أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطأه في معناه، ولا تعجب منه ولا استفهمه.
وكيف تقضون بترك النكير وقد شهد عمر يوم السقيفة بعد ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: الأئمة من قريش (2)، ثم قال في مكانه: لو كان سالم حيا ما يخالجني فيه شك (3)، حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين