نفسها قابلة للأنوار، وذلك التمكن إن كان بفكر واجتهاد فكالشجرة الزيتونة، وإن كان بالحدس فكالزيت، وإن كان بقوة قدسية فكالذي يكاد زيتها يضيء، لأنها تكاد تعلم ولو لم تتصل بملك الوحي والإلهام الذي مثله النار من حيث إن العقول تشتعل عنها، ثم إذا حصلت لها العلوم بحيث تتمكن من استحضارها متى شاءت كانت كالمصباح، فإذا استحضرتها كانت نورا على نور على نور.
الثاني: ما ذكره حسام الدين الحلبي تلميذ المولوي المعنوي، الذي ألف ونظم لأجله المثنوي، في تفسيره بقوله: (الله نور السماوات والأرض) أي وجود السماوات والأرض وظهورهما، فإن النور والوفور والظهور ألفاظ مترادفة، ومفهومها المطابقي الحقيقي ولازمها الذاتي - وهو الظاهر بذاته والمظهر لغيره - واحد.
ويطابق هذا قوله تعالى: ﴿ولله المشرق والمغرب أينما تولوا فثم وجه الله﴾ (١) أي ذاته ووجوده، وكذا قوله: ﴿هو الأول والآخر والظاهر والباطن﴾ (2).
وهذا حكم صريح، وإدراك واضح، وعلم صحيح، فإن الله تعالى وجود السماوات والأرض وما فيهما من الموجودات الكائنات، فليس للأشياء وجود سوى الله، وان الله تعالى عين الأشياء الظاهرة والباطنة والأولية والآخرية، ووجودها إجمالا وتفصيلا، ووجود كل شئ من المجردات الإلهية والكونية، العقلية والنفسية، والجسمية والجوهرية، والعرضية البسيطة والمركبة، فإطلاق كلام الله تعالى على المعنى المجازي الغير الظاهري المطابقي وعلى غير مراده، خارج عن حسن الأدب والإنصاف.
نعم ان هذا النوع من الأسرار الإلهية، والأطوار الغيبية الغير المتناهية طور وراء طور العقل، ولا يدركه العقل بالاستقلال من غير التأييد الإلهي، والتوفيق الرباني، والجهاد الصمداني، والرياض السبحاني، بل المؤثر في طور التحقيق