المقامين عند الجمع بين ضمير واحد يمنع ذلك، وحيث لم يكن هناك من يلبس عليه أتى بالضمير، وهذا لعله أقرب من الذي قبله.
ثالثها: ان ذلك الجمع لم يكن على وجه التحتم، بدليل الحديث الاخر، بل على وجه الندب والارشاد إلى الأولوية، لما في افراد اسم الله تعالى بلا ذكر من التعظيم اللائق بجلاله، وهذا يرجع في الحقيقة إلى ما قاله أئمة الأصول، وحينئذ فلا تكون الواو للترتيب.
رابعها: أن ذلك الانكار كان مختصا بذلك الخطيب، وكان النبي صلى الله عليه وسلم فهم عنه أنه لم يجمع بينهما في الضمير الا للتسوية بينهما في المقام، فقال له: (بئس الخطيب أنت)، فيكون خطابا لمن حاله كذلك، ولعل هذا الجواب هو الأقوى بأن هذه القصة واقعة عين، وما ذكرناه محتمل، ويؤيد هذا الاحتمال فيما ذكره أن يحمل على العموم في حق كل واحد، فان انضم إلى ذلك حديث أبي داود الذي علم فيه النبي صلى الله عليه وسلم أمته كيف خطبة صلاة الحاجة وفيها (ومن يعصهما) بضمير التثنية قوى ذلك الاحتمال، وهذا مثل ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تفضلوني على موسى) مع قوله: (أنا سيد الناس)، فقيل في الجمع بينهما وجوه منها: ان الذي منعه من التفضيل يفهم منه نقصا من منصب موسى صلى الله عليه وسلم عند التفضيل عنه، فيكون مختصا بمن هو مثل حاله، والعلم عند الله تعالى.
النوع الثاني من التخفيفات والمباحات ما يتعلق بالنكاح وفيه مسائل الأولى: خص صلى الله عليه وسلم بجمع أكثر من أربع نسوة وهو اجماع، وقد مات صلى الله عليه وسلم عن تسع زوجات كما ذكرنا في باب زوجاته، ووجه الزيادة على أربع انه لما كان الحر لفضله على العبد يستبيح من النسوة أكثر مما كان يستبيحه أحد من الأمة (فكذلك فضل النبي صلى الله عليه ولم على الحر...).
وقال بعض العلماء: السر في إباحة أكثر من أربع أن الله تعالى علمه بواطن الشريعة وظواهرها، وما يستحى من ذكرها ولا ما يستحى، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد الناس حياء، فجعل الله تعالى له نسوة فينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله، ويسمعنه من أقواله التي كان يستحيي من الافصاح عنها بحضرة الرجال لتكمل الشريعة، فكثرة عدد النساء لنقلهن عنه من الافعال ما يستحي هو من التلفظ به، وأيضا انهن نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه في منامه، وخلوته من الآيات الدالة على نبوته، ومن جده واجتهاده في العبادة، ومن أمور يشهد كل ذي لب بأنها لا تكون الا لنبي، وما كان يشاهدها غيرهن فحصل بذلك خير عظيم.
الثانية: قيل وبأنه لا ينحصر طلاقه في الثلاث، والأصح خلافه.