قلت: ونادى مناديه بمنى أنها أيام أكل وشرب وباءة ذكره ابن سعد (1).
فانتهى المسلمون عن صيامهم إلا محصورا بالحج أو متمتعا بالعمرة إلى الحج، فإن الرخصة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصوموا أيام منى، والله تعالى أعلم.
ثم أفاض - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة قبل الظهر راكبا، (وأردف معاوية بن أبي سفيان من منى إلى مكة)، فطاف طواف الإفاضة، وهو طواف الزيارة، وهو طواف الصدر، ولم يطف غيره، قال: هو الصواب.
في حديث عائشة، وابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر طواف يوم النحر إلى الليل (2)، علقه البخاري، ورواه الأربعة.
قلت: قال ابن كثير: والأشبه أن هذا الطواف كان قبل الزوال، ويحتمل أنه كان بعده.
فإن حمل هذا أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول: إلى العشي صح ذلك، وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا، ومخالف لما ثبت في الأحاديث الصحيحة من أنه - صلى الله عليه وسلم - طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم، وأما الطواف بالليل، فهو طواف الوداع، ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة ثم أتى زمزم بعد أن قضى طوافه، وهم يسقون، فقال: (لولا أن يغلبكم الناس عليها يا ولد عبد المطلب لنزلت، فسقيت معكم) (3).
ويقال: إنه نزع دلوا لنفسه، ثم ناوله الدلو، قلت: ثم مج فيها فأفرغ على سقايتهم في زمزم.
وفي حديث ابن عباس عند البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك فائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشراب من عندها، فقال:
اسقني، فقالت: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه، قال: (اسقني (مما يشرب الناس))، فشرب منه، ثم أتى زمزم (4)، والله تعالى أعلم.
قال: فشرب وهو قائم.
قال: والأظهر أن ذلك كان للحاجة، وهل كان في طوافه هذا راكبا؟ أو ماشيا؟. وقد تقدم ما رواه مسلم وغيره، عن جابر، قال: طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالبيت في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه، لأن يراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه.