الوداع فلعل ركوبه - صلى الله عليه وسلم - كان في أحد الأخيرين، أو في كليهما، فأما الأول: وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه، وقد نص على هذا الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد، عن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال: (دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - باب المسجد فأناخ راحلته، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه، وفاضت عيناه بالبكاء، ثمن رمل ثلاثا، ومشى أربعا، حتى فرغ يقبل الحجر، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه).
قال ابن القيم: وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره، وإلا فقد صح عنه: الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي:
إنه رمل على بعيره، فقد رمل لكن ليس في شئ من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم.
فلما حاذى - صلى الله عليه وسلم - الحجر الأول استلمه، ولم يزاحم عليه قلت: وقال لعمر: (يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه، وإلا فاستقبله وهلل وكبر) رواه الإمام أحمد وغيره والله تعالى أعلم) (1).
قال: ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني، ولم يرفع يديه، ولم يقل: نويت بطوافي هذا الأسبوع، كذا وكذا ولا افتتحه بالتكبير، كما يكبر للصلاة كما يفعله من لا علم عنده، بل هو من البدع المنكرات، ولا حاذي الحجر الأسود بجميع يديه، ثم انفتل عنه وجعله على شقه، بل واستقبله، واستلمه، ثم أخذ على يمينه وجعل البيت على يساره ولم يدع عند الباب بدعاء، ولا تحت الميزاب، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ولا وقت الطواف ذكرا معينا، لا بفعله ولا تعليمه، بل حفظ عنه بين الركنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).
قلت: وروى ابن سعد، عن عبد الله بن السائب - رضي الله تعالى عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بين الركنين: اليماني، والحجر الأسود (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) (2).
ورمل - صلى الله عليه وسلم - في طوافه هذا الثلاثة الأشواط، الأول قلت: (من الحجر إلى الحجر) رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى) (3).