فهذه أربعة أقوال: الإفراد، والقران، والتمتع، والإطلاق، ورجحا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا، ورجحه المحب الطبري، والحافظ، وغيرهم، ويأتي تحقيقه بعد تمام القصة، قال: أهل في مصلاه، ثم ركب ناقته، فأهل أيضا، ثم أهل لما استقلت به على البيداء وكان يهل بالحج والعمرة تارة، وبالعمرة تارة، وبالحج تارة لأن العمرة جزء منه، فمن ثم قيل: قرن. وقيل: تمتع، وقيل: أفرد، وكل ذلك وقع بعد صلاة الظهر، خلافا لابن حزم، وصاحب الاطلاع، قال النووي، والحافظ: وطريق الجمع بين الأحاديث وهو الصحيح: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أولا مفردا بالحج، ثم أحرم بالعمرة بعد ذلك، وأدخلها على الحج فصار: قارنا، فمن روى الإفراد هو الأصل، ومن روى القران اعتمد آخر الأمر، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو الانتفاع والارتفاق.
ذكر لفظ تلبيته [- صلى الله عليه وسلم - ثم]:
لبى - صلى الله عليه وسلم - فقال: (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، ورفع صوته بالتلبية حتى سمعها أصحابه، قلت: وروى البزار، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: كانت تلبية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (لبيك حجا حقا تعبدا ورقا) (1).
وروى الطبراني - بسند حسن - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقف بعرفات فلما قال: (لبيك اللهم لبيك) قال: (إنما الخير خير الآخرة) (2) وعند الإمام أحمد، والنسائي عن أبي هريرة (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في تلبيته: (لبيك إله الحق لبيك) (3).
وروى الطبراني، عن خزيمة بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من تلبيته، سأل الله عز وجل مغفرته ورضوانه واستعتقه من النار) (4).
وأمرهم بأمر الله - تعالى - بأن يرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعائر الحج.
وأمره جبريل - عليه الصلاة والسلام - (أن يعلن بالتلبية)، وروى الإمام أحمد، عن السائب بن خلاد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا