فرط جودهم وظهور عزهم من البشر الحسن والاحتمال وكرم التفاضل ما لا يوجد مع البخيل الموسر، والذليل المكثر الذين يجعلان البشر وقاية دون المال، وليس في الأرض خصلة تدعو إلى الطغيان والتهاون بالأمور وتفسد العقول وتورث السكر إلا وهي تعتريهم وتعرض لهم دون غيرهم، إذا قد جمعوا من الشرف العالي والمغرس الكريم العز والمنعة مع ابقاء الناس عليهم والهيبة لهم وهم في كل أوقاتهم وجميع أعصارهم فوق من هم على مثل ميلادهم، في الهيئة الحسنة والمروة الظاهرة، والأخلاق المرضية، وقد عرفت الحدث العزيز من فتيانهم وذوي الغرامة من شبانهم، انه ان افترى لم يفتر عليه وان ضرب لم يضرب، ثم لا تجده إلا قوى القلب بعيد الهمة كثير المعرفة مع خفة ذات اليد، وتعذر الأمور، ثم لا تجد عند أفسدهم شيئا من المنكر إلا رأيت في غيره من الناس أكثر منه من مشايخ القبائل وجمهور العشائر، وإذا كان فاضلهم فوق كل فاضل، وناقصهم أنقص نقصانا من كل ناقص، فأي دليل أدل وأي برهان أوضح مما قلته، وقد علمت أن الرجل منهم ينعت بالتعظيم والرواية في دخول الجنة بغير حساب، ويتأول القرآن له، ويزاد في طمعه بكل حيلة وينقص من خوفه، ويحتج له بان النار لا تمسه، وانه ليشفع في مثل ربيعة ومضر، وأنت تجد لهم مع ذلك العدد الكثير من الصوام والمصلين والتالين الذين لا يجاريهم أحد ولا يقاربهم.
كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يصلى في كل ليلة ألف ركعة وكذا علي بن الحسين بن علي، وعلي بن عبد الله بن جعفر، وعلي بن عبد الله ابن العباس عليهم السلام مع الحلم والعلم وكظم الغيظ والصفح الجميل والاجتهاد المبرز، فلو ان خصلة من هذه الخصال أو داعية من هذه الدواعي عرضت لغيرهم لهلك وأهلك.