وانصرفت إليك، فقال زياد: لا والله! ولكنك جبنت فضعفت وكععت (1) عن الحروب، ألم آمرك أن تضع سيفك فيهم ثم لا ترفعه عنهم وفيهم عين تطرف، فعصيتني وحببت العافية وانصرفت إلي بأصحابك خوفا من أن تفوتك الغنيمة، قبح الله من يزعم أنك شجاع القلب بعد هذا! فغضب عكرمة من ذلك ثم قال: أما والله يا زياد! لو لقيتهم وقد أزمعوا على حربك لرأيت أسودا تحمى أشبالا وتكافح أبطالا ذات أنياب حداد ومخاليب شداد، ولتمنيت أنهم ينصرفون عنك ويخلونك، وبعد فإنك أظلم وأغشم وأجبن قلبنا وأشح نفسا وأيبس، إذ قاتلت هؤلاء القوم وشنئت هذه الحروب بينك وبينهم بسبب ناقة واحدة لا أقل ولا أكثر، ولو لم أغثك بجنودي هؤلاء لعلمت أنك تكون رهين سيوفهم وأسير جوامعهم. قال: ثم نادى عكرمة في أصحابه وهم بالرحيل، فاعتذر إليه زياد مما تكلم به، فقبل عكرمة عذره.
ونزل الأشعث بن قيس من الحصن في أهل بيته وعشيرته من رؤساء بني عمه مع أهاليهم وأموالهم وأولادهم، فقال زياد: يا أشعث! ألست إنما سألتني الأمان لعشرة مع أهاليهم وأولادهم وبهذا كتبت لك الكتاب؟ قال الأشعث: بلى قد كان ذلك، فقال زياد: الحمد لله! لم تسألني الأمان لنفسك، والله ما أرى لك في الكتاب اسما والله لأقتلنك! فقال الأشعث: يا أقل الخلق عقلا! أترى أنه بلغني من الجهل أن أطلب الأمان لغيري وأتركه لنفسي؟ أما إني لو كنت أخاف غدرك لبدأت بنفسي في أول الكتاب ولكني أنا كنت الطالب لقومي الأمان فلم أكن أثبت نفسي مع غيري (2)، وأما قولك: إنك تقتلني، فوالله لئن قتلتني لتجلبن عليك وعلى صاحبك اليمن بأجمعها بخيلها ورجلها فينسيك ما قد مضى! فقال له زياد: إني والله لأرجو أن ينظرك أبو بكر الصديق يضرب عنقك فإنه أهل لذلك يا عدو الله! فقال له الأشعث: والله يا زياد! لئن يأكلني الأسد أحب إلي من [أن] يأكلني الكلب - يعني بالكلب هو -، ولكن كيف أنت من تلك الضربات يا زياد التي نالتك مني يوم بارزتني؟ قال: فسكت زياد ولم يقل شيئا وازداد عليه غيظا وحنقا، ثم استوثق منه