فرجعوا عنهم، ثم جالت الخيل بعضها على بعض، وتقدم رجل من فرسان الأشعث وشجعانهم يقال له عرفجة بن عبد الله الذهلي، قال: ثم حمل عرفجة على خيل المسلمين فلم يزل يقاتل حتى ضج المسلمون من طعانه وضربه، قال: ورمى رجل من أهل مكة بسهم فوقع السهم في فؤاده فقتله، فصاح زياد بن لبيد: يا معشر المسلمين! أبشروا فقد أخمد الله عز وجل جمرة كندة بقتل عرفجة الذهلي.
قال: وتقدم الأشعث بن قيس حاسر الرأس حتى وقف بين الجمعين فبرز إليه عكرمة بن أبي جهل، قال: والتقيا بطعنتين فافترقا جريحين ولم يصنعا شيئا، فرمى كل واحد منهما برمحه من يده واعتمد على قائم سيفه، ثم التقيا بضربتين بدره الأشعث بضربة قد بها بيضة عكرمة، ثم إن رجلا يقال له النعمان بن الحارث حمل على الأشعث بن قيس فطعنه طعنة منكرة حتى كاد الأشعث أن يسقط عن فرسه، ثم جال النعمان في ميدان الحرب، قال: فخرج إليه رجل من أصحاب الأشعث يقال له مرة ابن امرئ القيس، ثم حمل على النعمان فطعنه طعنة جندله قتيلا، وجعل الأشعث يجول في ميدان الحرب وهو يقاتل فكلما حمل بفرسه على الناحية التي فيها زياد بن لبيد يمضي زياد عن ذلك الموقف إلى موقف آخر، وهبت الريح وثار العجاج (1) فلم يبصر الناس بعضهم بعضا، فطلب الأشعث فلم يقدر عليه فظنت قبائل كندة أنه قد قتل، وجعل الخنفشيش بن عمرو الكندي يرتجز... (2) قال: وانحلت العجاج عن القوم فنظروا فإذا الأشعث حاسر الرأس ينادى: الصبر الصبر يا معشر كندة! فإن القوم قد صبروا لكم. قال: فلم يزل القوم على ذلك من شأنهم إلى وقت المساء، ثم اجتمع المسلمون بأجمعهم في موضع واحد ورفعوا أصواتهم بالتكبير ثم حملوا على الأشعث وأصحابه كحملة رجل واحد فهزموهم بأجمعهم حتى ألجؤهم إلى حصنهم الأعظم.
قال: فدخل الأشعث وأصحابه إلى ذلك الحصن وغلقوا على أنفسهم الباب، وأقبل زياد بن لبيد وعكرمة بن أبي جهل والمهاجر بن [أبي] (3) أمية وجميع المسلمين حتى نزلوا على الحصن وأحدقوا به من كل ناحية واشتد الحصار على من