فاقتتلوا، ووقعت الهزيمة على أصحاب عكرمة، فقتل منهم نفر يسير وضرب عكرمة على رأسه ضربة منكرة، وجاء الليل فحجز بين الفريقين. فلما كان من الغد دنا بعضهم من بعض فاقتتلوا حتى أمسوا، والأشعث بن قيس في خلال ذلك لا يعلم بشئ من ذلك غير أنه طال عليه وعلى من معه الحصار واشتد بهم الجوع والعطش، فأرسل الأشعث إلى زياد أن يعطيه الأمان ولأهل بيته ولعشرة (1) من وجوه أصحابه، فأجابه زياد إلى ذلك وكتب بينهم الكتاب، فظن أهل الحصن أن الأشعث قد أخذ لهم الأمان بأجمعهم فسكتوا ولم يقولوا شيئا، واتصل الخبر بعكرمة بن أبي جهل فقال لهؤلاء الذين يقاتلونه: يا هؤلاء! على ماذا تقاتلون؟ فقالوا: نقاتلكم على صاحبنا الأشعث بن قيس، فقال عكرمة: فان صاحبكم قد طلب الأمان، وهذا كتاب زياد بن لبيد إلي يخبرني بذلك - ورمى الكتاب إليهم، فلما قرأوه قالوا:
يا هذا! انصرف فلا حاجة لنا في قتالك بعد هذا اليوم. قال: ثم انصرف القوم عن محاربة عكرمة وهم في ذلك يسبون الأشعث بن قيس ويلعنونه.
قال: ثم أقبل عكرمة على أصحابه فقال: سيروا وأسرعوا السير إلى إخوانكم من المسلمين، فإن الأشعث بن قيس قد طلب الأمان، ولعله إن غنم زياد وأصحابه ما في الحصن لا يشركونكم في شئ من ذلك لأنهم قد سبقوكم إلى فتح الحصن إلا أن يرى زياد رأيه في ذلك، قال: فأنشأ رجل من أصحاب عكرمة أبياتا من جملتها:
إذا ما أتانا راكب برسالة * رحلنا وفي الليل الطويل سواد.
قال: ثم قدم عكرمة وأصحابه على زياد والأشعث بعد لم ينزل من الحصن وهو يستوثق لنفسه ولمن معه من بني عمه، فأقبل زياد على عكرمة فقال: ما صنعت مع قبائل كندة؟ فقال له: صنعت والله! إني لقيت قوما لهم أقدار وأخطار وصبر على الموت فلم أزل أحاربهم حتى علمت أن انتصافهم مني أكثر من انتصافي منهم، وأتاني كتابك يخبر أنه بعث الأشعث إليك كتابا يسألك الأمان فكففت عن حرب القوم