ثم إنه رجع عن دينه وغير وبدل ومنع الزكاة، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم وآله: من بدل دينه فاقتلوه، وقد وسع الله عليك فيه فاقتله فدمه حلال، فقال الأشعث بن قيس: يا خليفة رسول الله! إني ما غيرت ولا بدلت ولا شححت على مالي، ولكن عاملك زياد بن لبيد جار على قومي فقتل منهم من لا ذنب له فأنفت لذلك وانتصرت لقومي فقاتلته، وقد كان مني ما كان وإني أفدى نفسي وهؤلاء الملوك وأطلق كل أسير في بلاد اليمن وأكون عونا لك وناصرا ما أبقيت على أن تزوجني (1) أم فروة بنت أبي قحافة فإني لك نعم الصهر، فهذا خير مما يقوله عمر بن الخطاب. قال: فأطرق أبو بكر إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه وقال: إني قد فعلت. قال: ثم أطلقه أبو بكر رضي الله عنه من حديده، وأطلق من كان معه من ملوك كندة، ثم أمره فجلس وزوجه أبو بكر رضي الله عنه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، وأحسن إليه غاية الإحسان، فكان الأشعث بن قيس عند أبي بكر رضي الله عنه بأفضل المنازل وأرفعها (2).
ويقال: إن أم فروة بنت أبي قحافة ولدت من الأشعث بن قيس محمد بن الأشعث وإسحاق بن الأشعث وجعدة بنت الأشعث، فأما إسحاق فإنه قتل في أيام عبد الملك بن مروان في بعض الوقائع، وأما محمد بن الأشعث فلم يزل مع عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وشهد مقتل الحسين بن علي عليهما السلام، وقتل في أيام المختار بن أبي عبيد، وابنه عبد الرحمن بن محمد هو الذي خرج على الحجاج في أيام دير الجماجم.
قال: فكان الأشعث بن قيس إذا ذكر قتلى كندة يتمثل بهذه الأبيات، من جملتها: (3) لعمري وما عمري على بهين * لقد كنت بالقتلى أحق (4) ضنين.