رجل من أبناء ملوكهم (1) يقال له أبضعة بن مالك فقال: يا معشر كندة! إنا أضرمنا على أنفسنا نارا لا أظن أنها تطفأ أو تحرف منا بشرا كثيرا، والرأي عندي أن نتدارك ما فعلنا ونسكن هذه الثائرة التي هاجت علينا ونكتب إلى [أبي] (2) بكر الصديق فنخبره بطاعتنا وأن نؤدي إليه زكاتنا طائعين غير مكرهين وأنا قد رضينا به خليفة وإماما، مع أني أقول هذه المقالة ولست بخارج من رأيكم غير أني أعلم إلى ما يؤول أمركم غدا!
ثم أنشأ يقول أبياتا من جملتها:
أرى أمرا لكم فيه سرور * وآخره لكم فيه ندامة.
قال: فلما سمعت قبائل كندة هذا الشعر كأنهم انكسروا لذلك وجعل بعضهم يوثب بعضا، فقال قوم: نرجع عما فعلنا ونؤدي الزكاة، وقال قوم: لا بل نمنع الزكاة ونقاتل من يأتينا من عند أبي بكر.
قال: فلما سمعت قبائل كندة الأبيات من حارثة بن سراقة وثبوا إليه من كل جانب وقالوا: والله! ما ألقانا فيما نحن فيه سواك وما زلت مشؤوما في كل حال! ثم وثب إليه الأشعث بن قيس فقال: والله يا ابن سراقة! لأسلمنك غدا برمتك إلى زياد بن لبيد يقضى فيك ما يقضى فإن ذلك خير لكندة من نصب الحرب لمثل أبي بكر في سبب ناقة لا أقل ولا أكثر. قال: فقال حارثة بن سراقة: يا أشعث! إن كلامك هذا يدل على أنك فاضح قومك غدا إذا وافاهم جيش أبي بكر. قال: فقال الأشعث: والله ما أبرأ إليك من ذلك يا حارثة! فكن مما قلته على يقين.
قال: واتصل الخبر بزياد بن لبيد، ومن معه من المسلمين بأن الأشعث بن قيس قد ندم على ما كان منه فجزوه خيرا، وكتب إليه بعض بني عمه ممن كان مع زياد بن لبيد أبياتا من جملتها يقول:
إن تمس كندة ناكثين عهودهم * فالله يعلم أننا لم ننكث قال: ثم وثب رجل من كندة يقال له عفيف به معد يكرب (3) وكان من رؤسائهم