وأخرى فإن زياد بن لبيد بين أظهرنا وهو عامل علينا ولا يدعك أن ترجع إلى الكفر بعد الايمان. قال: فضحك الأشعث ثم قال: أو لا يرضى زياد أن يخبره فيكون بين أظهرنا! قال: فقال له امرؤ القيس: يا أشعث! انظر ما يكون بعد هذا. قال: ثم انصرف امرؤ القيس إلى منزله وأنشد شعرا (1). قال: وافترق القوم فريقين: فرقة أقاموا على دين الاسلام فلم يرجعوا وعزموا على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وفرقة عزموا على منع الزكاة والعصيان.
قال: وانصرف زياد بن لبيد يومه ذلك مغموما إلى منزله، فلما كان بعد أيام نادى في أهل حضرموت فجمعهم ثم قال: أجمعوا صدقاتكم فإني أريد أن أوجه بها إلى أبي بكر الصديق لان الناس قد اجتمعوا عليه وقد أهلك الله أهل الردة وأمكن منهم المسلمين. قال: فجعل قوم يعطونه الزكاة وهم طائعون، وقوم يعطونه إياها كارهين، وزياد بن لبيد يجمع الصدقات ولا يريهم من نفسه إلا الصرامة، غير أنه أخذ يوما من الأيام ناقة من إبل الصدقة فوسمها وسرحها مع الإبل التي يريد أن يوجه بها إلى أبي بكر رضي الله عنه وكانت هذه الناقة لفتى من كندة يقال له زيد بن معاوية القشيري (2) من بني قشير، فأقبل ذلك الفتى إلى رجل من سادات كندة يقال له حارثة بن سراقة فقال: يا ابن عم! إن زياد بن لبيد قد أخذ ناقة لي فوسمها وجعلها مع إبل الصدقة وأنا مشغوف بها فإن رأيت أن تكلمه فيها فلعله أن يطلقها ويأخذ غيرها من إبلي فإني لست أمتنع عليه! قال: فأقبل حارثة بن سراقة إلى زياد بن لبيد وقال له: إن رأيت أن ترد ناقة هذا الفتى عليه وتأخذ غيرها فعلت منعما! فقال له زياد بن لبيد: إنها قد دخلت في حق الله وقد وضع عليها ميسم الصدقة ولا أحب أن آخذ غيرها، فغضب حارثة بن سراقة من ذلك ثم قال: أطلقها وأنت كريم وإلا طلقتها وأنت لئيم (3). قال: فغضب زياد من ذلك، ثم قال (4): لا أطلقها حتى أنظر من يحول بيني وبينها أو يمنعها! قال: فتبسم حارثة بن سراقة ثم جعل يقول أبياتا من جملتها.