قال: ثم تكلم شرحبيل بن حسنة فقال (1): هذا وقت لا بد فيه من الرأي والنصيحة للمسلمين، فإن خالف الرجل أخاه في الرأي فإنما على كل إنسان أن يجتهد في النصيحة، وقد رأيت غير الذي رأى يزيد بن أبي سفيان، على أن يزيد والله عندي من الناصحين لجميع المسلمين ولكن رأيت أن لا نجعل نسواننا وأولادنا مع أهل حمص فإنهم على دين عدونا هؤلاء الذين أقبلوا إلينا، ولسنا نأمن إن وافانا عدو واستقبلنا لقتالهم أن تنقض أهل حمص عهدنا وميثاقنا فيحتووا على نسائنا وأموالنا، فيتقربون بهم إلى عدونا.
فقال أبو عبيدة: ويحك يا شرحبيل! إن الله تبارك وتعالى قد أذل أهل حمص بالرعب الذي ألقاه الله عز وجل في قلوبهم وسلطاننا اليوم أحب إليهم من سلطان عدونا وإن كانوا على دينهم، فأما إذ قد ذكرت ما ذكرت وخوفتنا منهم بما خوفت فإني قد رأيت أن أخرج أهل حمص من مدينتهم وندخل نسائنا وذرياتنا المدينة ونأمر رجالا من المسلمين أن يقوموا على سورها وأبوابها، ونقيم نحن بمكاننا هذا ونكتب إلى إخواننا فيقدمون علينا. قال: فقال له شرحبيل بن حسنة: أيها الأمير! أصلحك الله عز وجل! إنه ليس لنا أن نخرج أهل حمص من مدينتهم وقد صالحناهم وكتبنا لهم من أنفسنا كتابا بالصلح (3) ولكن (4) نقيم في مواضعنا هذه ونكتب إلى أمير المؤمنين كتابا نعلمه فيه بنفر الروم إلينا، فلعله أن يمدنا بإخواننا من أهل المدينة.
قال: فقال أبو عبيدة: ويحك يا شرحبيل! إن الامر أجل وأعجل من ذلك ولا أظن إلا أن الروم سيعاجلوننا من قبل أن يصل خبرنا إلى أمير المؤمنين.
قال: فوثب ميسرة بن مسروق العبسي فقال (5): أيها الأمير! إنا لسنا بأصحاب قلاع ولا حصون وإنما نحن أصحاب البر: والبلد القفر فسر بنا من هذه المدينة إلى دمشق فإنا أوثق بأهلها منا بأهل حمص، فإذا صرت إليها فاضمم قواصيك واكتب إلى أمير المؤمنين بخبر عدونا وسله المدد فذاك الذي تريدون، وإن تكن الأخرى وعاجلنا