وسمع أبو محجن التكبير والنعير التفت إلى أمة لسعد يقال لها: زبراء، فقال:
ويحك يا زبراء! ما حال المسلمين؟ فقالت: أظن والله الدائر على المسلمين وقد قتل منهم جماعة، فقال أبو محجن: إنا لله وإنا إليه راجعون! أخاف أن يذهب الناس بشرف هذا اليوم، فينالون الدنيا والآخرة وأنا موثق بهذا الحديد، فلعن الله الخمر ولعن أبا محجن إن شربها بعد هذا اليوم، قال: ثم أقبل على سلمى امرأة سعد وجاريته زبراء فقال: أطلقاني ولكما الله علي راع وكفيل إن أنا سلمت ولم أقتل أن أرجع إليكما وأضع رجلي في هذا القيد كما كانت، قال: فلما سمعت المرأتان يمينه وما أعطاهما من العهد والميثاق أطلقتاه فأخرجنا رجله من القيد، فقال لهما:
أعطياني اليوم هذا الفرس البلقاء وأعطياني سلاح سعد حتى أخرج فأقاتل وأرجع إليكما إن شاء الله عز وجل إن لم يحدث علي حدث، قال: فدفعتا إليه فرس سعد البلقاء (1) فأسرجها وألجمها ودفعتا إليه درعا ومغفرا وسيفا ورمحا، فتقلد بالسيف وتناول الرمح واستوى على الفرس وسار حتى اختلط بالمسلمين متلثما لا يعرف، ثم ضرب بيده إلى سيفه فاستله ثم حمل، فلم يزل يقاتل بالسيف مرة ويطعن بالرمح مرة وتارة يحمل على القوم فيقاتل قتالا شديدا لم يسمع الناس بمثله، والمسلمون لا يعلمون من هو، غير أنهم عجبوا من قتاله وسعد بن أبي وقاص على سطح القصر ينظر إلى فعله فالتفت إلى من كان معه من مشايخ العسكر فقال: يا هؤلاء!
أترون إلى فعل صاحب البلقاء؟ لئن كان الخضر عليه السلام شهد شيئا من هذه الوقائع فهذا هو الخضر لا شك فيه! قال: ثم تقارب أبو محجن من ناحية القصر وجعل سعد بن أبي وقاص يتأمل البلقاء ويلتفت إلى من كان عنده فيقول: أما البلقاء فهي بلقائي، وأما السلاح سلاحي لا شك فيه، وأما الحركات فكأنها حركات أبي محجن الثقفي، ولولا أن أبا محجن معي في القصر لقلت: هذا أبو محجن. قال:
ثم حمل أبو محجن وحمل الناس فاختلطوا، ورجع أبو محجن إلى باب القصر فقرعه برمحه وفتح له الباب ودخل، فنزل عن البلقاء فحط عنها السرج واللجام وأقامها على