فلم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟ فقال: وماله؟ فقالت: إنه هجاني، فقال: ما هجاك، فقالت: والله لئن رأيته لأضربنه بهذا الفهر، ثم رجعت وهي تقول: مذمما أتينا * ودينه قلينا * وكذلك حجب ومنع أبا جهل حين هم أن يطأ برجله رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرأى جدثا من نار وهولا عظيما وأجنحة الملائكة دونه، فرجع القهقري وهو يتقي بيديه، فقالت له قريش: مالك، ويحك؟ فأخبرهم بما رأى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم، لو أقدم لاختطفته الملائكة عضوا عضوا * وكذلك لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وقد أرصدوا على مدرجته وطريقه، وأرسلوا إلى بيته رجلا يحرسونه لئلا يخرج، ومتى عاينوه قتلوه، فأمر عليا فنام على فراشه، ثم خرج عليهم وهم جلوس، فجعل يذر على رأس كل إنسان منهم ترابا ويقول:
شاهت الوجوه، فلم يروه حتى صار هو وأبو بكر الصديق إلى غار ثور، كما بسطنا ذلك في السيرة، وكذلك ذكرنا أن العنكبوت سد على باب الغار ليعمي الله عليهم مكانه، وفي الصحيح أن أبا بكر قال: يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر، ما ظنك بإثنين الله ثالثهما (1)؟ وقد قال بعض الشعراء في ذلك:
نسج داود ما حمى صاحب الغار * وكان الفخار للعنكبوت وكذلك حجب ومنع من سراقة بن مالك بن جعشم حين اتبعهم، بسقوط قوائم فرسه في الأرض حتى أخذ منه أمانا كما تقدم بسطه في الهجرة * وذكر ابن حامد في كتابه في مقابلة إضجاع إبراهيم عليه السلام ولده للذبح مستسلما لأمر الله تعالى، ببذل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه للقتل يوم أحد وغيره حتى نال منه العدو ما نالوا، من هشم رأسه، وكسر ثنيته اليمنى السفلى، كما تقدم بسط ذلك في السيرة * ثم قال: قالوا: كان إبراهيم عليه السلام ألقاه قومه في النار فجعلها الله بردا وسلاما، قلنا: وقد أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله، وذلك أنه لما نزل بخيبر سمته الخيبرية، فصير ذلك السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله، والسم عرق إذ لا يستقر في الجوف كما تحرق النار * قلت: وقد تقدم الحديث بذلك في فتح خيبر، ويؤيد ما قاله أن بشر بن البراء بن معرور مات سريعا من تلك الشاة المسمومة، وأخبر ذراعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أودع فيه من السم، وكان قد نهش منه نهشة، وكان السم فيه أكثر، لأنهم كانوا يفهمون أنه صلى الله عليه وسلم يحب الذراع، فلم يضره السم الذي حصل في باطنه بإذن الله عز وجل، حتى انقضى أجله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه وجد حينئذ من ألم ذلك السم الذي كان في تلك الاكلة، صلى الله عليه وسلم * وقد ذكرنا في ترجمة خالد بن الوليد المخزومي، فاتح بلاد الشام، أنه أتي بسم فحثاه بحضرة الأعداء ليرهبهم بذلك، فلم ير بأسا، رضي الله عنه * ثم قال أبو نعيم: فإن قيل: فإن إبراهيم خصم نمروذ ببرهان نبوته فبهته، قال الله تعالى: