المسجد يصلي، فبصر به عمر فقال من أين الرجل؟ قال: من اليمن، قال: ما فعل الله بصاحبنا الذي حرق بالنار فلم تضره؟ قال: ذاك عبد الله بن أيوب، قال: نشدتك بالله أنت هو؟ قال:
اللهم نعم، قال: فقيل ما بين عينيه ثم جاء به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر الصديق وقال:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن عليه السلام * وهذا السياق الذي أورده شيخنا بهذه الصفة، وقد رواه الحافظ الكبير، أبو القاسم بن عساكر رحمه الله في ترجمة أبي مسلم عبد الله بن أيوب في تاريخه من غير وجه، عن عبد الوهاب بن محمد عن إسماعيل بن عياش الحطيمي: حدثني شراحيل بن مسلم الخولاني أن الأسود بن قيس بن ذي الحمار العنسي تنبأ باليمن، فأرسل إلى أبي مسلم الخولاني فأتي به، فلما جاء به قال أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال:
أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع، قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، قال:
فردد عليه ذلك مرارا ثم أمر بنار عظيمة فأججت فألقي فيها فلم تضره، فقيل للأسود: انفه عنك وإلا أفسد عليك من اتبعك، فأمره فأرتحل، فأتى المدينة وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد، ثم دخل المسجد وقام يصلي إلى سارية، فبصر به عمر بن الخطاب فأتاه فقال: ممن الرجل؟ فقال: من أهل اليمن، قال: ما فعل الرجل الذي حرقه الكذاب بالنار؟ قال: ذاك عبد الله بن أيوب، قال: فأنشدك بالله أنت هو؟ قال: اللهم نعم، قال: فاعتنقه ثم ذهب به حتى أجلسه بينه وبين أبي بكر الصديق، فقال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الرحمن * قال إسماعيل بن عياش: فأنا أدركت رجالا من الامداد الذين يمدون إلينا من اليمن من خولان، ربما تمازحوا فيقول الخولانيون للعنسيين: صاحبكم الكذاب حرق صاحبنا بالنار ولم تضره * وروى الحافظ ابن عساكر أيضا من غير وجه عن إبراهيم بن دحيم: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد، أخبرني سعيد بن بشير عن أبي بشر - جعفر بن أبي وحشية - أن رجلا أسلم فأراده قومه على الكفر فألقوه في نار فلم يحترق منه إلا أنملة لم يكن فيما مضى يصيبها الوضوء، فقدم على أبي بكر فقال: استغفر لي، قال: أنت أحق قال أبو بكر: أنت ألقيت في النار فلم تحترق، فاستغفر له ثم خرج إلى الشام، وكانوا يسمونه بإبراهيم عليه السلام، وهذا الرجل هو أبو مسلم الخولاني، وهذه الرواية بهذه الزيادة تحقق أنه إنما نال ذلك ببركة متابعته الشريعة المحمدية المطهرة المقدسة، كما جاء في حديث الشفاعة: وحرم الله على النار أن تأكل مواضع السجود * وقد نزل أبو مسلم بداريا من غربي دمشق وكان لا يسبقه أحد إلى المسجد الجامع بدمشق وقت الصبح، وكان يغازي ببلاد الروم، وله أحوال وكرامات كثيرة جدا، وقبره مشهور بداريا، والظاهر أنه مقامه الذي كان يكون فيه، فإن الحافظ ابن عساكر رجح أنه مات ببلاد الروم، في خلافة معاوية، وقيل: في أيام ابنه يزيد، بعد الستين والله أعلم * وقد وقع لأحمد بن أبي الحواري من غير وجه أنه جاء إلى أستاذه