فلقتين حتى صارت فلقة من وراء الجبل - أعني حراء - وأخرى من دونه، أعظم في المعجزة من حبس الشمس قليلا. وقد قدمنا في الدلائل حديث رد الشمس بعد غروبها، وذكرنا ما قيل فيه من المقالات فالله أعلم * قال شيخنا العلامة أبو المعالي بن الزملكاني: وأما حبس الشمس ليوشع في قتال الجبارين، فقد انشق القمر لنبينا صلى الله عليه وسلم وانشقاق القمر فلقتين أبلغ من حبس الشمس عن مسيرها، وصحت الأحاديث وتواترت بانشقاق القمر، وأنه كان فرقة خلف الجبل وفرقة أمامه، وأن قريشا قالوا: هذا سحر أبصارنا، فوردت المسافرون وأخبروا أنهم رأوه مفترقا، قال الله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر * وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) * [القمر: 1] قال: وقد حبست الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين، إحداهما ما رواه الطحاوي وقال: رواته ثقات، وسماهم وعدهم واحدا واحدا، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوحي إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فلم يرفع رأسه حتى غربت الشمس، ولم يكن علي صلى العصر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس، فرد الله عليه الشمس حتى رؤيت، فقام علي فصلى العصر، ثم غربت * والثانية صبيحة الاسراء فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر قريشا عن مسراه من مكة إلى بيت المقدس، فسألوه عن أشياء من بيت المقدس فجلاه الله له حتى نظر إليه ووصفه لهم، وسألوه عن عير كانت لهم في الطريق فقال: إنها تصلى إليكم مع شروق الشمس، فتأخرت فحبس الله الشمس عن الطلوع حتى كانت العصر * روى ذلك ابن بكير في زياداته على السنن، أما حديث رد الشمس بسبب علي رضي الله عنه، فقد تقدم ذكرنا له من طريق أسماء بنت عميس، وهو أشهرها، وابن سعيد وأبي هريرة وعلي نفسه، وهو مستنكر من جميع الوجوه، وقد مال إلى تقويته أحمد بن صالح المصري الحافظ، وأبو حفص الطحاوي، والقاضي عياض، وكذا صححه جماعة من العلماء الرافضة كابن المطهر وذويه، ورده وحكم بضعفه آخرون من كبار حفاظ الحديث ونقادهم، كعلي بن المديني، وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، وحكاه عن شيخه محمد ويعلى بن عبيد الطنافسيين، وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه أحد الحفاظ، والحافظ الكبير أبي القاسم بن عساكر، وذكره الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي في كتاب الموضوعات، وكذلك صرح بوضعه شيخاي الحافظان الكبيران أبو الحجاج المزي، وأبو عبد الله الذهبي * وأما ما ذكره يونس بن بكير في زياداته على السيرة من تأخر طلوع الشمس عن إبان طلوعها، فلم ير لغيره من العلماء، على أن هذا ليس من الأمور المشاهدة، وأكثر ما في الباب أن الراوي روى تأخير طلوعها ولم نشاهد حبسها عن وقته * وأغرب من هذا ما ذكره ابن المطهر في كتابه المنهاج، أنها ردت لعلي مرتين، فذكر الحديث المتقدم، كما ذكر، ثم قال: وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل، اشتغل كثير من أصحابه بسبب دوابهم، وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر، وفاتت كثير منهم فتكلموا في ذلك، فسأل الله رد الشمس فردت * قال: وذكر أبو نعيم بعد موسى إدريس عليه السلام وهو
(٣١٤)