فقتله الأسد عند وادي الزرقاء قبل مدينة بصرى * وكم له من مثلها ونظيرها (1)، كسبع يوسف فقحطوا حتى أكلوا العكبر، وهو الدم بالوتر، وأكلوا العظام وكل شئ، ثم توصلوا إلى تراحمه وشفقته ورأفته، فدعا لهم، ففرج الله عنهم وسقوا الغيث ببركة دعائه. * وقال الامام الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتاب دلائل النبوة - وهو كتاب حافل -: ذكر ما أوتي نوح عليه السلام من الفضائل: وبيان ما أوتي محمد صلى الله عليه وسلم مما يضاهي فضائله ويزيد عليها، إن قوم نوح لما بلغوا من أذيته والاستخفاف به، وترك الايمان بما جاءهم به من عند الله، دعا عليهم فقال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * [نوح: 26] فاستجاب الله دعوته، وغرق قومه، حتى لم يسلم شئ من الحيوانات والدواب إلا من ركب السفينة، وكان ذلك فضيلة أوتيها، إذ أجيبت دعوته، وشفى صدره باهلاك قومه * قلنا: وقد أوتي محمد صلى الله عليه وسلم مثله حين ناله من قريش ما ناله من التكذيب والاستخفاف، فأنزل الله إليه ملك الجبال وأمره بطاعته فيما يأمره به من إهلاك قومه، فاختار الصبر على أذيتهم، والابتهال في الدعاء لهم بالهداية * قلت: وهذا أحسن، وقد تقدم الحديث بذلك عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قصة ذهابه إلى الطائف، فدعاهم فآذوه فرجع وهو مهموم، فلما كان عند قرن الثعالب ناداه ملك الجبال فقال: يا محمد إن ربك قد سمع قول قومك وما ردوا عليك، وقد أرسلني إليك لافعل ما تأمرني به، فإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين - يعني جبلي مكة اللذين يكتنفانها جنوبا وشمالا، أبو قبيس وزر (2)، فقال: بل أستأني بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من لا يشرك بالله شيئا * وقد ذكر الحافظ أبو نعيم في مقابلة قوله تعالى: * (فدعا ربه أني مغلوب فانتصر، ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) * [القمر: 10 - 11] أحاديث الاستسقاء عن أنس وغيره، كما تقدم ذكرنا لذلك في دلائل النبوة قريبا أنه صلى الله عليه وسلم سأله ذلك الأعرابي أن يدعو الله لهم، لما بهم من الجدب والجوع، فرفع يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، فما نزل عن المنبر حتى رؤي المطر يتحادر على لحيته الكريمة، صلى الله عليه وسلم، فاستحضر من استحضر من الصحابة رضي الله عنهم قول عمه أبي طالب فيه: - وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل وكذلك استسقى في غير ما موضع للجدب والعطش فيجاب كما يريد على قدر الحاجة المائية، ولا أزيد ولا أنقص، وهكذا وقع أبلغ في المعجزة، وأيضا فإن هذا ماء رحمة ونعمة، وماء
(٢٩٥)