هل ذهب لكم شئ؟ من ذهب له شئ فأنا ضامن، قال: فألقى مخلاة عمدا، فلما جاوزوا قال الرجل: مخلاتي وقعت في النهر، قال له: اتبعني، فإذا المخلاة قد تعلقت ببعض أعواد النهر، فقال: خذها * وقد رواه أبو داود من طريق الأعرابي عنه عن عمرو بن عثمان عن بقية به * ثم قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا سليمان بن المغيرة عن حميد أن أبا مسلم الخولاني أتى على دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها فوقف عليها ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر مسير بني إسرائيل في البحر، ثم لهز دابته فخاضت الماء وتبعه الناس حتى قطعوا، ثم قال: هل فقدتم شيئا من متاعكم فأدعو الله أن يرده علي؟ * وقد رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الكريم بن رشيد عن حميد بن هلال العدوي: حدثني ابن عمي أخي أبي قال: خرجت مع أبي مسلم في جيش فأتينا على نهر عجاج منكر، فقلنا لأهل القرية: أين المخاضة؟ فقالوا: ما كانت ههنا مخاضة ولكن المخاضة أسفل منكم على ليلتين، فقال أبو مسلم: اللهم أجزت بني إسرائيل البحر، وإنا عبيدك وفي سبيلك، فأجزنا هذا النهر اليوم، ثم قال: اعبروا بسم الله، قال ابن عمي: وأنا على فرس فقلت: لأدفعنه أول الناس خلف فرسه، قال: فوالله ما بلغ الماء بطون الخيل حتى عبر الناس كلهم، ثم وقف وقال: يا معشر المسلمين، هل ذهب لاحد منكم شئ فأدعو الله تعالى يرده؟ * فهذه الكرامات لهؤلاء الأولياء، هي معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم تقريره، لأنهم إنما نالوها ببركة متابعته، ويمن سفارته، إذ فيها حجة في الدين، أكيدة للمسلمين، وهي مشابهة نوح عليه السلام في مسيره فوق الماء بالسفينة التي أمره الله تعالى بعملها، ومعجزة موسى عليه السلام في فلق البحر، وهذه فيها ما هو أعجب من ذلك، من جهة مسيرهم على متن الماء من غير حائل، ومن جهة أنه ماء جار والسير عليه أعجب من السير على الماء القار الذي يجاز، وإن كان ماء الطوفان أطم وأعظم، فهذه خارق، والخارق لا فرق بين قليله وكثيره، فإن من سلك على وجه الماء الخضم الجاري العجاج فلم يبتل منه نعال خيولهم، أو لم يصل إلى بطونها، فلا فرق في الخارق بين أن يكون قامة أو ألف قامة، أو أن يكون نهرا أو بحرا، بل كونه نهرا عجاجا كالبرق الخاطف والسيل الجاري، أعظم وأغرب، وكذلك بالنسبة إلى فلق البحر، وهو جانب بحر القلزم، حتى صار كل فرق كالطود العظيم، أي الجبل الكبير، فانحاز الماء يمينا وشمالا حتى بدت أرض البحر، وأرسل الله عليها الريح حتى أيبسها، ومشت الخيول عليها بلا انزعاج، حتى جاوزوا عن آخرهم، وأقبل فرعون بجنوده * (فغشيهم من أليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى) * [طه: 78] وذلك أنهم لما توسطوه وهموا بالخروج منه، أمر الله البحر فارتطم عليهم فغرقوا عن آخرهم، فلم يفلت منهم أحد، كما لم يفقد من بني إسرائيل واحد، ففي ذلك آية عظيمة بل آيات معدودات، كما بسطنا ذلك في التفسير ولله الحمد المنة * والمقصود أن ما ذكرناه من قصة العلاء بن الحضرمي، وأبي عبد الله الثقفي، وأبي مسلم الخولاني، من مسيرهم على تيار الماء الجاري، فلم يفقد منهم أحد، ولم يفقدوا شيئا من أمتعتهم، هذا وهم
(٢٩٣)