مقاتل، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه، فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرونها من حبرة، وخواتيم الذهب، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، فلم يرد عليهم السلام، وتصدوا لكلامه نهار طويلا فلم يكلمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذهب، فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وكانوا يعرفونهما (1) فوجدوهما في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس. فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن! إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له، فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا، وتصدينا لكلامه نهار طويلا فأعيانا أن يكلمنا فما الرأي منكما، أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب، وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ فقال علي لعثمان ولعبد الرحمن أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودوا إليه، ففعلوا فسلموا فرد سلامهم. ثم قال: " والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وأن إبليس لمعهم، ثم ساءلهم وسائلوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا: ما تقول في عيسى؟ فإنا نرجع إلى قومنا ونحن نصارى ليسرنا إن كنت نبيا أن نسمع ما تقول فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما عندي فيه شئ يومي هذا، فأقيموا حتى أخبركم بما يقول الله في عيسى " فأصبح الغد وقد أنزل الله عز وجل هذه الآية * (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلا تكن من الممترين فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * [آل عمران: 59 - 61] فأبوا أن يقروا بذلك، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملا على الحسن والحسين في خميل له وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة وله يؤمئذ عدة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: قد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي، وإني والله أرى أمرا ثقيلا، والله لئن كان هذا الرجل ملكا متقويا فكنا أول العرب طعن في عيبته ورد عليه أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة وإنا أدنى العرب منهم جوارا، ولئن كان هذا الرجل نبيا مرسلا فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعر ولا ظفر إلا هلك، فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال رأيي أن أحكمه فإني أرى رجلا لا يحكم شططا أبدا، فقالا له أنت وذاك، قال: فتلقى شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني قد رأيت خيرا من ملاعنتك، فقال " وما هو "؟ فقال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح، فما حكمك فينا فهو جائز، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعل وراءك أحد يثرب عليك؟ " فقال
(٦٥)