وقد وصف المقر به بوصف يمنع ثبوت مثله، وإن كان المشار إليه بهذه شيئا غير مذكور، بل هو مقدر، بأن أحضر ألفا، وقال: هذه التي أقررت بها إلى آخره فهنا يتجه وجوب ألف أخرى، وعدم قبول قوله في أن المقر به هو ما أحضره وجهان كالمسألة السابقة، لكن عدم القبول هنا أولى، لأن ما في الذمة لا يكون وديعة - ثم قال -: ليس ببعيد القبول، لأن قوله: " كانت وديعة " لا ينافي تجدد ثبوتها في الذمة بتلف قارنه الضمان، وغاية ما يلزم ارتكاب المجاز في حكمه بأن المأتي به كان وديعة، فإن الوديعة حقيقة التالف، والمأتي بدله، ولا محذور في المجاز إذا دل عليه دليل، خصوصا إذا كان شائعا في الاستعمال ".
وفي مجمع البرهان بعد أن ذكر أن ظاهر العبارات الالتزام بالعين قال:
" وفيه تأمل، لما قد تقدم من أنه يصح إطلاق كون " علي " على الوديعة، وهو مثل " في ذمتي " لأن ظاهر " له علي " ذلك، وإن سلم الفرق وظهور كون " في ذمتي " في غير الوديعة فليس ببعيد إطلاقه عليها، فيحمل عليه للضابطة المتقدمة، وكذا يصح إطلاق ما في الذمة على الحاضرة، وهو متعارف، إما بالمعنى المتقدم، أي باعتبار ما يؤول إليه بالتلف مع التفريط أو بغيره فينبغي القبول هنا أيضا، للضابطة، إذ لم يكن خلاف الاجماع فتأمل ".
قلت: وقد تكرر منا غير مرة أن الاقرار من الاخبار الذي وقت حاجته وجوده، فلا يقبل فيه تأخير قرينة المجاز، فلا يخرج بذلك عن الكذب ولا عن الالتزام بمقتضى الاقرار، نعم إذا كان متصلا على نحو غيره من قرائن المجاز قبل، من غير فرق في ذلك بين دعواه وعدمه.
ولا ريب في أن مقتضى الحقيقة في قوله: " لك ألف في ذمتي " ثبوت نفس المال في الذمة، وليس هو نحو " على " كما اعترف به في الدروس، حينئذ قوله منفصلا: " وهذه التي أقررت بها كانت وديعة " وقد أحضرها بعينها وادعى أنها هي المراد بما أقر به من كونها في ذمته لا غيرها لم يقبل، لأنه من المجاز المنفصل، حتى لو استعد سبب ضمانه لها بالتعدي أو التفريط فإنه لا يصدق حقيقة أنها في ذمته