مطرت في ذلك اليوم مطرا خفيفا والأرض ثرية تزل عنها الاقدام فطوف ساعة من أول النهار ثم رجع فدعا بدواة وقرطاس لينفذ كتابا إلى علي بن أبان يعلمه ما قد أطله من الجيش ويأمره بتقديم من قدر على تقديمه من الرجال فإنه لفى ذلك إذ أتاه المكتنى أبا دلف وهو أحد قواد السودان فقال له إن القوم قد صعدوا وانهزم عنهم الزنج وليس في وجوههم من يردهم حتى انتهوا إلى الحبل الرابع فصاح به وانتهره وقال أغرب عنى فإنك كاذب فيما حكيت وإنما ذلك جزع دخلك لكثرة ما رأيت من الجمع فانخلع قلبك ولست تدرى ما تقول فخرج أبو دلف من بين يديه وأقبل على كاتبه وقد كان أمر جعفر بن إبراهيم السجان بالنداء في الزنج وتحريكهم للخروج إلى موضع الحرب فأتاه السجان فأخبره أنه قد ندب الزنج فخرجوا وأن أصحابه قد ظفروا بسميريتين فأمره بالرجوع لتحريك الرجالة فرجع ولم يلبث بعد ذلك إلا يسيرا حتى أصيب مفلح بسهم غرب لا يعرف الرامي به ووقعت الهزيمة وقوى الزنج على أهل حربهم فنالوهم بما نالوهم به من القتل ووافى الخبيث زنجه بالرؤس قابضين عليها بأسنانهم حتى ألقوها بين يديه فكثرت الرؤس يومئذ حتى ملأت كل شئ وجعل الزنج يقتسمون لحوم القتلى ويتهادونها بينهم وأتى الخائن بأسير من أبناء الفراغنة فسأله عن رأس الجيش فأعلمه؟؟ بمكان أبى أحمد ومفلح فارتاع لذكر أبى أحمد وكان إذا راعه أمر كذب به فقال ليس في الجيش غير مفلح لانى لست أسمع الذكر إلا له ولو كان في الجيش من ذكر هذا الأسير لكان صوته أبعد ولما كان مفلح إلا تابعا له ومضافا إلى صحبته * وقد كان أهل عسكر الخبيث لما خرج عليهم أصحاب أبي أحمد جزعوا جزعا شديدا وهربوا من منازلهم ولجأوا إلى النهر المعروف بنهر أبى الخصيب ولا جسر يومئذ عليه فغرق فيه يومئذ خلق كثير من النساء والصبيان ولم يلبث الخبيث بعد الوقعة إلا يسيرا حتى وافاه علي بن أبان في جمع من أصحابه فوافاه وقد استغنى عنه ولم يلبث مفلح أن مات وتحيز أبو أحمد إلى الأبلة ليجمع ما فرقت الهزيمة منه ويجدد الاستعداد ثم صار إلى نهر أبى الأسد فأقام به * قال محمد بن
(٥)