ولما خرج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة مهاجرا إليها ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم بمكة يدعو إلى الله سرا وجهرا قد منعه الله بعمه أبى طالب وبمن استجاب لنصرته من عشيرته ورأت قريش أنهم لا سبيل لهم إليه رموه بالسحر والكهانة والجنون وأنه شاعر وجعلوا يصدون عنه من خافوا منه أن يسمع قوله فيتبعه فكان أشد ما بلغوا منه حينئذ فيما ذكر ما حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة قال حدثني محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه عروة عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قلت له ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهر من عداوته قال قد حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط سفه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا لقد صبرنا منه على أمر عظيم أو كما قال فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل يمشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفا بالبيت فلما مر غمزوه ببعض القول قال فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مضى فلما مر بهم الثانية غمزوه مثلها فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها فوقف فقال أتسمعون يا معشر قريش أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح قال فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع وحتى ان أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفأه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول انصرف يا أبا القاسم راشدا فوالله ما كنت جهولا قال فانصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم فقال بعضهم لبعض ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه فبينا هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وآله فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به يقولون له أنت الذي تقول كذا وكذا لما يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله
(٧١)