وسأل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رجلا: من أين أنت؟ فقال: من همذان، فقال: أما إنها مدينة هم وأذى تجمد قلوب أهلها كما يجمد ماؤها، وقد قال شاعركم أيضا وهو أحمد بن بشار يذم بلدكم وشدة برده وغلظ طبع أهله وما تحتاجون إليه من المؤن المجحفة الغليظة لشتائكم، وقيل لاعرابي دخل همذان ثم انصرف إلى البادية: كيف رأيت همذان؟
فقال: أما نهارهم فرقاص وأما ليلهم فحمال، يعني أنهم بالنهار يرقصون لتدفأ أرجلهم وبالليل حمالون لكثرة دثارهم، ووقع أعرابي إلى همذان في الربيع فاستطاب الزمان وأنس بالأشجار والأنهار، فلما جاء الشتاء ورد عليه ما لم يعهده من البرد والأذى فقال:
بهمذان شقيت أموري * عند انقضاء الصيف والحرور جاءت بشر شر من عقور، * ورمت الآفاق بالهرير والثلج مقرون بزمهرير، * لولا شعار العاقر النزور أم الكبير وأبو الصغير * لم يدف انسان من الخصير ولقد سمعت شيخا من علمائكم وذوي المعرفة منكم أنه يقول: يربح أهل همذان إذا كان يوم في الشتاء صافيا له شمس حارة مائة ألف درهم، وقيل لابنة الحسن: أيما أشد الشتاء أم الصيف؟ فقالت: من يجعل الأذى كالزمانة! لان أهل همذان إذا اتفق لهم في الشتاء يوم صاف فيه شمس حارة يبقى في أكياسهم مائة ألف درهم لأنهم يربحون فيه حطب الوقود وقيمته في همذان ورساتيقها في كل يوم مائة ألف درهم، وقيل لاعرابي: ما غاية البرد عندكم؟ فقال: إذا كانت السماء نقية والأرض ندية والريح شامية فلا تسأل عن أهل البرية، وقد جاء في الخبر أن همذان تخرب لقلة الحطب، ودخل أعرابي همذان فلما رأى هواءها وسمع كلام أهلها ذكر بلاده فقال:
وكيف أجيب داعيكم ودوني * جبال الثلج مشرفة الرعان بلاد شكلها من غير شكلي، * وألسنها مخالفة لساني وأسماء النساء بها زنان، * وأقرب بالزنان من الزواني فلما بلغ عبد القاهر إلى هذا المكان التفت إليه ابن أبي سرح وقال له: قد أكثرت المقال وأسرفت في الذم وأطلت الثلب وطولت الخطبة، ثم صمد للإجابة فلم يأت بطائل أكثر من ذكر المفاخرة بين الصيف والشتاء والحر والبرد، ووصف أن بلادهم كثيرة الزهر والرياحين في الربيع وأنها تنبت الزعفران، وأن عندهم أنواعا من الألوان لا تكون في بلاد غيرهم، وأن مصيف الجبال طيب فلم أر الإطالة بالاتيان به على وجهه، قالوا: وأقبل عبيد الله بن سليمان بن وهب إلى همذان في سنة 284 بمائة ألف دينار وسبعين ألف دينار بالكفاية على أن لا مؤونة على السلطان، وهي أربعة وعشرون رستاقا: همذان، وفرواز، وقوهياباذ، وانا موج، وسيسار، وشراة العليا، وشراة الميانج، والاسفيذجان، وبحر، واباجر، وارغين، والمغارة، واسفيذار، والعلم الأحمر، وارناد، وسمير، وسردروذ، والمهران، وكوردور، وروذه، وساوه، وكان منها بسا وسلفانروذ وخرقان ثم نقلت إلى قزوين، وهي ستمائة وستون قرية، وعملها من باب الكرج إلى سيسر طولا،