الذين قصدوا مكة فحاربوا جرهم والذين قصدوا المدينة فحاربوا اليهود فهم أزد شنوءة، ولما تفرقت قضاعة من تهامة بعد الحرب التي جرت بينهم وبين نزار بن معد سارت بلي وبهراء وخولان بنو عمران ابن الحاف بن قضاعة ومن لحق بهم إلى بلاد اليمن فوغلوا فيها حتى نزلوا مأرب أرض سباء بعد افتراق الأزد عنها وخروجهم منها، فأقاموا بها زمانا ثم أنزلوا عبدا لأراشة بن عبيلة بن فران بن بلي يقال له أشعب بئرا لهم بمأرب ودلوا عليه دلاءهم ليملأها لهم، فطفق العبد يملا لمواليه وسادته ويؤثرهم ويبطئ عن زيد الله بن عامر بن عبيلة بن قسميل فغضب من ذلك فحط عليه صخرة وقال: دونك يا أشعب، فأصابته فقتلته فوقع الشر بينهم لذلك واقتتلوا حتى تفرقوا، فيقول قضاعة:
إن خولان أقامت باليمن فنزلوا مخلاف خولان، وإن مهرة أقامت هناك وصارت منازلهم الشحر ولحق عامر بن زيد الله بن عامر بن عبيلة بن قسميل بسعد العشيرة فهم فيهم زيد الله، فقال المثلم بن قرط البلوي:
ألم تر أن الحي كانوا بغبطة * بمأرب إذ كانوا يحلونها معا بلي وبهراء وخولان إخوة * لعمرو بن حاف فرع من قد تفرعا أقام به خولان بعد ابن أمه * فأثرى لعمري في البلاد وأوسعا فلم أر حيا من معد عمارة * أجل بدار العز منا وأمنعا وهذا أيضا دليل على أن قضاعة من سعد، والله أعلم، وسار جفنة بن عمرو بن عامر إلى الشام وملكوها فهذه الأزد باقية وأما باقي قبائل اليمن فتفرقت في البلاد بما يطول شرحه، وقد ذكرت الشعراء مأرب فقال المثلم بن قرط البلوي:
ألم تر أن الحي كانوا بغبطة * بمأرب إذ كانوا يحلونها معا وقد ذكرت وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه قصة مأرب فقال: فأرسلنا عليهم سيل العرم، كما ذكرناه في العرم، والعرم: المسناة التي كانت قد أحكمت لتكون حاجزا بين ضياعهم وحدائقهم وبين السيل ففجرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة كما أفار الله الطوفان من جوف التنور ليكون ذلك أثبت في العبرة وأعجب في الأمة ولذلك قال خالد بن صفوان التميمي لرجل من أهل اليمن كان قد فخر عليه بين يدي السفاح: ليس فيهم يا أمير المؤمنين إلا دابغ جلد أو ناسج برد أو سائس قرد أو راكب عرد، غرقتهم فأرة وملكتهم امرأة ودل عليهم هدهد، وقال الأعشى:
ففي ذاك للمؤتسي أسوة، * ومأرب عفى عليها العرم رخام بنته لهم حمير * إذا ما نأى ماؤهم لم يرم فأروى الزروع وأغنامها * على سعة ماؤهم إن قسم وطار القيول وقيلاتها * بيهماء فيها سراب يطم فكانوا بذلكم حقبة * فمال بهم جارف منهزم قال أحمد بن محمد: ومأرب أيضا قصر عظيم عالي الجدران، وفيه قال الشاعر: