جزى نبيا عن أمته، الذي ترك فينا كتاب الله وعترته وأخبر بنجاة من تمسك بهما من أمته. ورضي الله تعالى عن الأصحاب والأحباب الذين نالوا شرف رؤيته واقتفاء سيرته، وعلى من اقتدى بهديهم وسار على نهجهم. آمين ز وبعد: لما كان العلم خير ما يؤتاه المرء، وجل ما تصبوا إليه النفس، وكان التطلع والارتقاء لعلياه صعبا مضنيا، والاكتراع من مناهله خطرا مغريا، ويحتاج وارده لتوفيق إلهي أولا، وموافقة وأخذ بالأسباب ثانيا، ليميز بين الغث والسمين، والمستقيم والملتوي، ويعرف الحق من غيره ليصح الأخذ ويسلم.
لذلك كان المحتم على طالبه أن يبحث ويدقق ويميز ويقارن جميع ما وصل إليه، ويتشوق لما لم يصل إليه " منهومان لا يشبعان ". ففي يوم من الأيام زارني أحدهم وأجال طرفه بمكتبتي الصغيرة فسألني: هل يوجد لديك كتاب " الغدير "؟
فأجبته بالسلب، وقد وقع في نفسي اقتناء هذا الكتاب بعد ما سمعت عنه من الإطناب - وهو جدير - إلى أن أتحفني المؤلف حفظه الله تعالى بنسخة منه، فنظرت الكتاب وتصفحته وسبرت غور ما فيه بقدر ما اتسع ذلك عندي، وإذا بي أرى كتابا لا كالكتب، وعقل مؤلفه لا كالعقول، وأيم الله لقد أكبرت فيه كل شئ: من سعة الاطلاع، وترتيب الأبواب لحسن الانتقاء، وفصل الخطاب. من قول متزن، وقلم سيال للتدقيق، ووضوح في العبارة، وصدق في المقال. من إصابة الكشف عن الحق بأوضح دليل لقوة في رد الخصم وإنارة السبيل.
فإذا بي أردد قول الله تعالى: * (ما شاء الله لا قوه إلا بالله) * ورأيت لولا التيمن والبركة بتسمية الغدير لكان خليقا أن يسمى بالأبحر السبعة وهو جدير، لأني رأيت أن من أتاه يحسبه غديرا فيرغب في وروده فإذا خاضه يجده بحرا زاخرا فيستخرج منه لحما طريا وحلية يتحلى بها، ولكن لا يأمن سالكه على نفسه إلا إذا تمسك بسفينة النجاة لتقوده لشاطئ السلامة، ألا وهي: آل المصطفى وعترته، وهم أحد الثقلين المنشودين.
فهنيئا لك يا من نالتك عناية الله وتوفيقه، فحباك هذا العلم الزاخر لتبز به