ماديا لإنجاز هذا المشروع الحيوي وإبرازه إلى حيز الوجود].
فبدأ شيخنا الوالد (رحمه الله) مراجعته إليها، واستأنس بمطالعتها واتخذ منها مصدرا لأبحاث كتابه يستدل بآرائها، ويستند إلى أحاديثها.
إلا أنه - وقبل أن ينهي دراسته منها - آن للمرض أن يأخذ منه مأخذه، ويتقدم في سيره، ويداهمه بخطره، ولم يبارحه حتى أرداه صريعا في الفراش، مسلوب الراحة من آلامه في كل اللحظات، غير قادر على الحركة باختياره، ومع كل هذا لم ينس جهاده في الميدان العلمي، ولم يفتر عن نضاله الفكري، ولم يتقاعس عن الذب عن ساحة الدين الحنيف، وعندها طلب إلي أن أقرأ عليه الاجزاء المخطوطة من كتابه، لتكون آخر مراجعته لها، ويحصر ما يلزم نقله إليها من المصادر الحديثة التي توفرت لديه (1).
فبدأت بتنفيذ ما أمر - وقد كتب لي شرف الخدمة بجوار سريره - في المستشفى أشهرا غير قصيرة، وفي الدار مدة مديدة حتى استقصيت في القراءة ما أنهى كتابته، وأشار إلى ما يلزم مراجعته.
واستمر الأمر على هذا عامين، ساعات في النهار، وأوقات من الليل، وهو في كل الأحوال متوجه إلى مصيره، وعلى علم عن مرد أمره، حتى أنهكه المرض بعد أن استفحل، واستولى على جسده، وأعيى الأطباء إنقاذه وعلاجه، وتسرب الداء الدفين حتى انتهى إلى كبده، فانحدرت صحته، وفقد لسانه القوة على النطق لشدة ضعفه، ولم يستمر ذلك إلا أياما لم تتجاوز عدد الأنامل.
وفاته ومدفنه:
وما أن بزغ فجر نهار الجمعة، الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة الف وثلاثمائة وتسعين هجرية اضطرب حاله، واشتد أمره، إلا أنه لم يفقد وعيه، بل كان مالكا لمشاعره، فطلب أن أرطب فمه الشريف بماء ممزوج بتربة الحسين (عليه السلام)،