سيدي المفضال! أرسلت تخبرني بأنك رأيت أن ترسل لي الغدير الكبير بدلا من الجدول الصغير، وأعلمتني أن قيمته وإن غلت وعلت فإنني عندك أغلى وأعلى، والحقيقة هو أن ذاتك الصافية وشخصيتك المثلى تجلى نورها على مرآة نفسك الطاهرة، فانعكس ضياؤها على لوح وجودك، وتراءى لك من شعاعها ونورها ما حدثتني به وأنت الصادق، ولكن ينبوعه أنت وليس له نبراس سواك، أدامك الله لي وللناس سراجا وهاجا، وجعلني عند حسن ظنك ووفقني وحببني إلى من يحبه ويرضاه ورضي عنه.
سيدي أخذت " الغدير " وقرأته وقبل أن أصل عبابه عمت فيه، وغرفت منه، وذقت طعمه، فإذا هو الغدير الأول بماء غير آسن، يفيض عذوبة أصفى من قطرات المزن، ومدامة أعبق وأطيب من شذا المسك، وألذ من كل شراب.
ولولا من وضع حوله السدود، وأقام أمامه الحواجز من العصور الأولى لكان مضيئا على وجه البسيطة وينتفع به خلق الله أجمعين.
وما أعظمه من غدير وقف فيه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي أصحابه وأمته بابن عمه ويحضهم على التمسك بهديه وراء زوج ابنته الزهراء ووالد السبطين عليهم الصلاة والسلام.
ولكن، كان أمر الله قدرا مقدورا، وتلك أمة قد خلت، ونحن الناشئة إن عتبنا على الأولين، فإن عتبنا على الخلف أشد وأعظم، وعلى المؤرخين الجدد من أبناء عصرنا هذا أهل السنة أوسع وأكبر.
كنا نسمع من أساتذتنا أساتذة الأخذ والتأليف عفى الله عنهم إن كانوا لا يعلمون: إن قصه الغدير أسطورة صنعها الشيعة، وأيدها ملوكهم لحوائج سياسية.
وهذا مبلغنا أو مبلغهم من العلم إذ ذاك، أما في زمننا هذا وبعد ما قرأت بعض فصول وأبواب وأجزاء الغدير، أراني أمامي بحر زاخر لا غدير سائل فيه اللؤلؤ والمرجان والدر الوضاء، نعم، فيه الحجة البالغة، وفيه البرهان الصريح، وفيه العلم الوافر، وفيه ما ليس في وسعي أن أحصيه وأعدده، كلها تنطق: ان