بياض نهاره في غربلة الآراء والانتقاء.
ومن وقف على مراجع مؤلفات من آثار العلماء والباحثين، والمجاميع والدواوين، والرسائل والمتون والشروح والحواشي والتعاليق، يرى أنه قد بلغ في ذلك حيث لم تبلغ الآمال والهمم.
وما كان الحبر العلامة بالنؤوم ولا بالسؤوم، وله مع كل صباح يد كالصباح وضوحا أو كالنهار ظهورا. ولأياديه البيضاء فيما صنفه وألفه من الآثار الجليلة المفيدة أطواق في أجياد الباحثين الأحرار.
لقد أوغل - حفظه الله تعالى - في البحث، وأمعن في التنقيب والتدقيق عباب العلم، وغاص على أسراره، واستقرى دقائقه، ومحص حقائقه، وأحاط بأصوله وفروعه، وهو عالم فنه ونسيج وحده فيه - غير مدافع ولا منازع - حتى استضاء طلاب المعارف بمشكاته، وهو في كل ذلك من بلغاء المنشئين، وأكابر المصنفين، ببيان ناصع، ورواية واسعة، لم يدع آبدة إلا قيدها، ولا شاردة إلا ردها. وقد نزه أسلوبه عن التعقيد والابهام والحشو والركاكة، وسلم من الناقد والحاسد، لأنه قد جمع إلى الفهم الصحيح والأدب القوي القويم، الانسجام المطرد والسبك المحكم، بألفاظ درية، ومعان عسجدية المورد دانية القطوف.
لقد قال الأدباء: والاذن تعشق قبل العين أحيانا.
وانا ممن أنعم الله - تعالى - عليهم بعشق العلامة الأمين الأميني وغمر قلبهم بحبه، فقد كنت أرتشف من منهله الصافي " شهداء الفضيلة " أو " فواضل الشهداء ". وهم شهداء العلم والحكمة والعرفان والأدب. ذلك الكتاب القيم الذي كان وقعه في نفسي كقميص يوسف في أجفان يعقوب (عليهما السلام)، وكان ظفري به كظفر المؤمنين بالنعيم. وإنه لتنسيك حلاوته حلاوة الأولاد، وطلاوته زهر الربيع وطلاوته.
والحق أن كتاب " شهداء الفضيلة "، من أهم الكتب في تأريخ أحرار الفكر الإسلامي، بعد كتاب " مقاتل الطالبيين " الأبرار الذين قدموا أنفسهم الغالية