البصائر النافذة والروية الثاقبة، بصير بمواضع الحق، ومن مشاهير أهل الجدل وجله أصحاب النظر، فتراه في مدونته هذه قد جادل فحول العلماء، على اختلاف فرقهم ومذاهبهم وعصورهم، وناظرهم وناقشهم وحاجهم بالحجج السواطع القواطع الملزمة، والبينات النواصع اللوامع المسكتة، واستظهر عليهم بدليل العقل والنقل، وأيد مذهب الحق بالنصوص الصريحة والبراهين السديدة، حتى أبكم الخصوم وقطعهم وقرعهم بالحق فدحض حجتهم، وزيف برهانهم، ورماهم بقاصمة الظهر، وألوى أعناقهم صاغرين. لله در القائل:
ولم أر أمثال الرجال تفاوتا * إلى المجد حتى عد ألف بواحد وهو في كل ذلك كان القاضي على محاكم المعقول والمنقول، وفيصل أحكامها العادل، قد حل دقائق الاشكال، وأزال علل المعضلات، برأي ثاقب، وفكر عميق، وحجة داحضة، وحكم قاطع.
أما لغة الكتاب وفنونه البلاغية، فلا نغالي إذا قلنا بأنها كالروضة الأنيقة قد تفتحت أحداق وردها، أو كنسيم الحر هب على صفحات الزهر، تدفقت فيه جداول الفصاحة وغدران البلاغة، تدفق اليعبوب والغيث المنهم.
والخلاصة، فهو كتاب جزيل المباحث، جم الفوائد، مشرق الدلالة، قد ارتفع عن مقام المتحدي والمستدرك. وقد بلغ ناظم دره وناثر لآلئ سمطه - بعين الإلهام والتوفيق - الغاية العليا والنهاية القصوى والغرض الأقصى، فلا غرو إذا ما ازدهت به مكتبات الدنيا، وازدانت به مجالس العلماء، وأنديتهم، وتفاخرت به خزانات الملوك وأمراء البيان.
أما المناهل العذاب الأخرى من مصنفات الحجة الأمين الأميني، والتي لم تشرق بعد في آفاق العلم والأدب، فلما تزل يد الأيام تبخل بها على طلاب المعرفة، وتتحكم بحرمانهم من نبراسها الساطع، ومن تلك التآليف المهمة:
كتاب " الميثاق الأول " في تفسير قوله تعالى: * (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم...) *.