ضحايا وقرابين في سبيل المبدأ السامي وحرية العقيدة والايمان الصحيح. وفيه من الدروس الغوالي والعبر العالية، ما يغرس في النفوس الكرامة والاعتزاز وحب الموت والفناء في سبيل الله لنيل الخلود والحياة الأبدية، على أن سيرة أولئك الشهداء العظام كفيلة بإحياء أية أمة قد ماتت فيها عناصر الخير وروح الفضيلة، واستكانت للذلة، واستسلمت للعبودية، بعد حياة الاستقلال والحرية، وانعدمت في نفوس أفرادها معاني الرجولة والصراحة في نصرة الحق والعدالة.
أقول: إنها كفيلة بذلك، إذا ما نهجت الأمة على سيرة شهداء الفضيلة العظماء، وسارت على محجتهم البيضاء. وبذلك يكثر فيها أشياع الحق وحماته، وأنصار دين الله وذادته، وحضنة الإسلام وأعضاد العدل والاصلاح الاجتماعي العام، لا يسكتهم عن الباطل ارتقاء المشانق، ولا يفل عزيمتهم الإحراق والقتل ولا السم الزعاف، ولا تقعدهم عن صيحة الحق أغلال الدهاليز والسجون والمنافي والإبعاد والتشريد، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون.
أما دائرة المعارف الكبرى، وهي كتاب " الغدير " - المنقطع النظير، والذي لم تأت بمثله الأوائل والأواخر - فكان مقطع الحق ومفصل الصواب وفصل الخطاب، فقد حاز أستاذنا الحجة المفضال " الأميني " قصب السبق، وأحرز فوق النصال والمنال، واستولى على الأمد، ولا يتصل بعجاج قدمه، ولا يدرك شأوه، ولا يجري فرسان العلم والأدب في مضماره. فجرى في حلبته إلى أبعد الغايات وأقصى المدى.
وإن الجواد على أعراقه يجري.
فقد حوى هذا السفر النفيس الخالد على شتى العلوم والمعارف والفنون، من تأريخ وفقه وأصول ومنطق وكلام وفلسفة وأدب وجدل ونظر، مما تفصل به الحجة من الشبهة، وتنفي الشبهة عن الحجة، وقد لخصت فيه فوائد كل علم وفن أحسن تلخيص، وحررت مسائله أبدع تحرير، سديد المنهج، واضح المعالم، يتبارى معناه ولفظه إلى الفهم قبل الاسماع.
كيف لا! ومؤلفه - دامت بركاته - نادرة وقته، ومن أكابر النقاد، ومن ذوي