ولكن مهما بالغ الغرب في يقظته الفكرية ونهضته العلمية، في تكريم وتمجيد وتخليد العلماء والحكماء والأدباء والشعراء وأصحاب الفنون الرائعة الخالدين، فلم يبلغ إلى ما قرره الإسلام وخلفاء المسلمين وأمراؤهم ورؤساؤهم، من تقديس العلماء وإعلاء شأنهم واحترام منزلتهم وتعظيم مكانتهم وتخليد سلطانهم، إلى درجة كان يحسدهم ذوو التيجان وأرباب الصولجان. وقد نزل التنزيل بمدحهم، فقال تعالى: * (انما يخشى الله من عباده العلماء) *.
وقد قرن شهادة أهل العلم وشهادة الملائكة المقربين بنفسه تعالى، على توحيده بالربوبية، فقال تعالى: * (شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم) *.
وقد نفى الرسول الأعظم سمة الخير في غير العالم والمتعلم من أمته، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا خير فيمن كان من أمتي ليس بعالم ولا متعلم ".
وقد جعلهم قادة الدنيا بعد الأنبياء، كما عدهم الإمام الصادق (عليه السلام) من العظماء في ملكوت السماوات، " فقيل: تعلم لله واعمل لله وعلم لله ".
وقال بعضهم: " إذا لم يكن العلماء أولياء الله في الأرض فليس فيها لله ولي ".
وقد فسر بعض المفسرين " الزينة " في قوله تعالى: * (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها) * بالأنبياء والعلماء.
وعن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام): " إذا مات مؤمن وترك ورقة واحدة عليها علم، تكون تلك الورقة سترا بينه وبين النار، وأعطاه الله بكل حرف عليها مدينة أوسع من الدنيا سبع مرات ".
* * * كان الكسائي يؤدب ابني الرشيد، فأراد يوما النهوض من عندهما، فابتدرا إلى نعله ليقدماها له، فتنازعا أيهما يقدمها له، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردا منها. فلما بلغ الخبر إلى الرشيد، وجه إلى الكسائي، فلما دخل عليه قال له: من أعز الناس؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين! قال: بلى! إن أعز الناس من إذا نهض تقاتل على تقديم نعله وليا عهد المسلمين، حتى يرضى كل منهما أن يقدم له فردا منها. ثم قال الرشيد: لو منعتهما عن ذلك لأوجعتك لوما وعيبا... وما