وضع ما فعلا من شرفهما، بل رفع من قدرهما وبين عن جوهرهما.
وقال أبو معاوية الضرير - وكان من علماء الناس -: أكلت مع الرشيد يوما فصب على يدي الماء رجل، فقال لي: يا أبا معاوية، أتدري من صب الماء على يدك؟ فقلت: لا يا أمير المؤمنين! قال: أنا. فقلت: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا إجلالا للعلم؟ قال: نعم. ولهذا قيل: العلم يوطئ المساكين بسط الملوك.
وقال الأحنف: كل عز لم يؤيد بعلم فإلى ذل يصير.
وقال يزيد بن المهلب: كاد العلماء يكونون أربابا، أما ترون هذا المولى كيف قام له سادات العرب؟ يقصد الحسن البصري.
لقد أتينا بهذه الأدلة القرآنية الساطعة، والأحاديث النبوية الشريفة، والأخبار التأريخية، للاستشهاد على أن الاسلام قد نظر إلى العلم والعلماء نظرة إكبار وتقديس. وأن المحلى بشرف العلم تحلى بأفضل فضائل الكمال، وأسمى نعوت الجمال، بل هو أجل الصفات الربوبية وأجمل السمات الألوهية، وهو سبب الوصول إلى الحضرة القدسية والصعود إلى أفق الملائكة المقربين، وأن السعادة التامة الأبدية واللذة السرمدية لنور الله تعالى، لا يتيسران بدونه، وأن الغرائز البشرية مجبولة على تعظيم العلماء وتوقيرهم وطاعتهم واحترامهم.
وفضل العلماء على الأنام بقدر فضل نفوسهم على أبدانهم، فتجب محبتهم وطاعتهم.
وقد أحسن من قال: إن العالم الحكيم، والد روحاني، رب بشري، وإحسانه إحسان إلى ذلك، لأنه يربي على الفضيلة التامة، ويغذي بالحكمة البالغة، ويسوق إلى الحياة الأبدية في النعيم السرمدي، وهو السبب في تنشئة الوجود العقلي، لهذا استحق أعلى مراتب التعظيم والتمجيد والاحترام.
* * * أيها السادة!
في هذا اليوم السعيد الأغر، عقدت " جمعية الرابطة العلمية الأدبية " هذا الاجتماع المبارك، وهو أول احتفال يقام - باعتقادي - في هذا البلد المقدس، في