أما حديث يوم غدير خم وموقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه في حر الهاجرة بعد رجوعه من حجة الوداع خاطبا في الحجيج الزاخر كالبحر اللجي والسيل الآتي معرفا الجماهير في مكانة علي وولايته عليهم بعده، فحديث بالغ حد الاستفاضة من طريق فريقي السنة والشيعة، فلم تنفرد بروايته الشيعة، ولئن أنكره من غيرهم منكر فلم يدفع إنكاره تلك الاستفاضة وروى غير واحد ما أنشده حسان بن ثابت - شاعر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإسلام - قوله:
يناديهم يوم الغدير نبيهم * بخم وأسمع بالنبي مناديا وقال: فمن مولاكم ووليكم * فقالوا ولم يبدوا هناك تماميا إلهك مولانا وأنت ولينا * ولن تجدن منا لك اليوم عاصيا فقال له: قم يا علي فإنني * رضيتك من بعدي إماما وهاديا فمن كنت مولاه فهذا وليه * فكونوا له أنصار حق مواليا ويقول أبو تمام:
ويوم الغدير استوضح الحق أهله * بفيحاء ما فيها حجاب ولا سر أقام رسول الله يدعوهم بها * ليقربهم عرف وينآهم نكر يمد بضبعيه ويعلم أنه * ولي ومولاكم فهل لكم خبر ولا أدل عليه ولا على مضمونه من توقف علي عن البيعة برهة ومبايعته بعد ذلك وقد اقتضتها مصلحة الإسلام وقيام أول الخلفاء بأعباء تلك المصلحة التي لا يهدف علي والخليفة القائم إلى سواها من غرض، ولا مجال بعد هذا الوفاق والاتفاق بين علي والخليفتين على ما تدعو إليه المصلحة الإسلامية إلى إنكار حدث وقع وحديث مستفيض، وإني لأرجو أن يكون لنا من اتفاقهم - وهم قدوة المسلمين - درس بليغ لاقتفاء آثارهم في هذا الاتفاق، مراعاة للمصلحة الإسلامية والاعتصام بعروة وحدتها الوثقى، وأن لا يكون لنا غرض من وراء هذه الأبحاث إلا محض الاعتبار والاقتداء بالسلف الصالح، وأن نضرب بعرض الجدار كل ما