فإن كلا من البراءة والاحتياط وظائف للمكلف في ظرف الشك في التكليف بالنسبة إلى البراءة وفي المكلف به بالنسبة إلى الاحتياط فلا ينهض دليل البراءة والاحتياط بأكثر من تحديد الوظيفة المقررة للجاهل عند الشك في التكليف والمكلف به، ولا يدعي المكلف خلو الواقعة من التكليف في مورد الشك في التكليف ولا يدعي ثبوت الحكم الشرعي في مورد الشك في المكلف به وإنما هما وظيفة عملية مقررة للمكلف تخرجه عن الحيرة في ظرف الجهل والشك بالحكم الشرعي.
وهذه الطائفة من الأدلة هي التي اصطلح الوحيد البهبهاني رحمه الله على تسميتها ب (الأدلة الفقاهتية).
وواضح أن علاقة هاتين الطائفتين من الأدلة بعضها ببعض علاقة طولية، تقع بموجبها الطائفة الثانية في طول الطائفة الأولى ويحق للمكلف الفقيه استخدامها عند ما يعجز عن استخدام الطائفة الأولى من الأدلة، ولا مجال لها عند إمكان استخدام الطائفة الأولى من الأدلة.
فتتقدم إذن الطائفة الأولى من الأدلة على الطائفة الثانية غير أني لم أجد في كلمات الوحيد رحمه الله في الفوائد القديمة والجديدة توضيحا دقيقا لتقديم الأدلة الاجتهادية على الأدلة الفقاهتية.
وقد يكون الشيخ الأنصاري رحمه الله هو أول من مكنه الله تعالى من التفريق بين موارد استعمال الأدلة الاجتهادية والفقاهية وتقنين العلاقة بينهما بتقديم الأدلة الاجتهادية على الأدلة الفقاهتية، وتقديم الأدلة الفقاهية بعضها على بعض، وتنظيم علم الأصول بموجب ذلك على أساس جديد ومنهجية جديدة ثبتت إلى اليوم الحاضر.