والتمييز، فكيف يجوز له التقليد؟ بل لا يمكن له تحقق التقليد حينئذ لان اعتماده ليس إلا على فهمه وتمييزه، فكيف يكون تقليدا؟ على أن العامي عنده أن كل ما يقول المجتهد هو من الشارع، بل اعتماده على المجتهد أزيد منه على الاخباري لما يرى من وفور علمه وشهرته، وعجز الاخباري عن المباحثة معه، وغير ذلك.
فإن قلت: لعله يمنع كون الاجماع حجة على خصوص المجتهد، لا العامي وإلا فقول فقيه واحد حجة على العامي عنده، وإن كان ميتا فضلا عن اجتماع جميع الاحياء والأموات من الفقهاء.
قلت هو يمنع حجية الاجماع مطلقا بالعلة التي يعلل بها، وهي مشتركة بين العامي والمجتهد، فإذا لم يكن إجماع جميعهم حجة فقول واحد منهم بطريق أولى، وقول ميت منهم أولى فأولى.
فإن قلت: الامر كما ذكرت إلا أنه وردت الأدلة على كون قول المجتهد حجة على العامي وإن جاز عليه الخطأ، ولم يرد دليل على أن قول غير المجتهد أيضا حجة على العامي، فيكون استناده إلى غير المجتهد حراما.
قلت: إن كان الامر كما ذكرت فالعبرة بتلك الأدلة ولولاها لكان استناده إلى المجتهد أيضا حراما، لكن الفقهاء يقولون: إن الأدلة منحصرة مختصة بالمجتهد الحي، ولا عموم فيها بحيث يشمل الميت، وقد ذكرنا الأدلة في الفوائد. ويظهر منها أن الامر كما قالوا، ومع ذلك لو ادعى هذا الاخباري العموم، فالواجب عليه إثبات العموم، إذ قد عرفت واعترف بأن العبرة بالدليل، وألا يكون الاستناد حراما، فكيف يطعن على الفقهاء: بأنه لا دليل لهم على عدم حجية قول الميت، ويشنع عليهم في ذلك؟