الصدور عنه فليس بمختار، وإن كانت جائزا صدورها وعدمه: فإذا افتقر إلى مرجح، فمع المرجح يعود التقسيم فيه بأن كان لازما فاضطراري، وإلا احتاج إلى مرجح آخر، فيلزم التسلسل، وإن لم يفتقر إلى مرجح، بل يصدر عنه تارة ولا يصدر أخرى من دون مرجح في الحالين، وصدور أمر من الفاعل فهو أمر اتفاقي فلا يكون اختياريا أيضا.
قلت هذه أيضا شبهة في مقابل البديهة، بل في مقابل البديهيات، وغيرها من اليقينيات - كما عرفت - ومع ذلك لو تمت لزم خروج الواجب تعالى أيضا عن الاختيار.
وما أجابوا - بأن تعلق إرادته قديم، فلا يحتاج إلى مرجح متجدد - غير نافع أصلا لان تعلق الإرادة في القديم إن كان لازم الصدور عنه تعالى بحيث لا يمكنه الترك فواضح أنه غير مختار، وإن كان جائزا وجوده وعدمه:
فإن افتقر إلى مرجح، فمع المرجح يعود التقسيم فيه إلى آخر الشبهة من دون تفاوت أصلا، كما هو واضح على من له أدنى فهم.
وبالجملة ما في هذه الشبهة: إن كان علة تامة لنفي الاختيار يلزم أن يكون الواجب تعالى كذلك أيضا لعدم جواز التخلف، وإن لم يكن علة تامة لنفي الاختيار، أو يجوز تخلف المعلول عن العلة التامة كما يقول به الأشعري، فلا يتحقق المانع في طرف العبد أيضا قطعا، سيما مع ما أشرنا إليه من أن اختيار العبد وتأثيره من فعله تعالى وأثر فعله، فلا مانع من أن يكون أثر أثره.
وهذه الشبهة شبهة الحكماء الذين ينفون عنه تعالى الاختيار، تعالى