عن ذلك علوا كبيرا.
والجواب عنها: أن المختار لا يختار بغير مرجح، وبعد ما تحقق في نظره ما هو المرجح عنده - وإن لم يكن واقعا - يختار البتة و باختياره وبإرادته يصدر عنه البتة، إلا أنه قادر على خلافه ومتمكن منه، وتحقق الصدور لا ينافي القدرة على الخلاف.
وقد كتبنا في هذا رسالة مبسوطة مشروحة، على أن الشبهتين لا تنفعان الأشاعرة على تقدير تماميتهما، لان مقتضاهما كون العبد غير مختار، لا أن فعله فعل الله تعالى، وأنه ليس له فعل.
فإن قلت: جميع ما أوردت عليهم إنما يرد عليهم إذا لم يقولوا: بأن للعبد قدرة كاسبة.
قلت: إن قالوا: بأن قدرة العبد مؤثرة في الكسب، فهو نقض لدليلهم، ورجوع عن قولهم إلى قول الخصم، ومع ذلك لا ينفعهم أصلا، لان كون الفعل فعله تعالى - لا فعل العبد - مخالف للبديهة، بل البديهيات واليقينيات، وموجب للشنائع، لأنه الشريك الأقوى، بل الفعل فعله تعالى على سبيل الاختيار لا الاضطرار، إذ بمجرد كسب العبد لا يصير ملجأ ومضطرا إلى الفعل قطعا، فالشنائع جميعا بحالها.
ونزيد عليها: أنه لا معنى للقول بأن قدرته مؤثرة في الكسب خاصة، ولا يتمكن من التأثير من غيره أصلا، لان المقتضي عام، والمانع عام إن كان مانعا.