إلى قيام علم مستقل باسم " علم أصول الفقه ".
وبالرغم من تمكن علم الأصول من الحصول على الاستقلال الكامل عن علم الأصول " علم أصول الدين "، فقد بقيت فيه رواسب فكرية يرجع تاريخها إلى عهد الخلط بينه وبين علم الكلام، وظلت تلك الرواسب مصدرا للتشويش، فمن تلك الرواسب على سبيل المثال - الفكرة القائلة بأن أخبار الآحاد " وهي الروايات الظنية التي لا يعلم صدقها " لا يمكن الاستدلال بها في الأصول، لان الدليل في الأصول يجب أن يكون قطعيا.
فإن مصدر هذه الفكرة هو علم الكلام، ففي هذا العلم قرر العلماء أن أصول الدين تحتاج إلى دليل قطعي، فلا يمكن أن نثبت صفات الله والمعاد مثلا بأخبار الآحاد، وقد أدى الخلط بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه واشتراكهما في كلمة الأصول إلى تعميم تلك الفكرة إلى أصول الفقه، ولهذا نرى الكتب الأصولية ظلت إلى زمان المحقق في القرن السابع تعترض على إثبات العناصر المشتركة في عملية الاستنباط بخبر الواحد انطلاقا من تلك الفكرة.
ونحن نجد في كتاب الذريعة لدى مناقشة الخلط بين أصول الفقه وأصول الدين تصورات دقيقة نسبيا ومحددة عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط، فقد كتب يقول: " إعلم أن الكلام في أصول الفقه إنما هو على الحقيقة كلام في أدلة الفقه.. ولا يلزم على ما ذكرناه أن تكون الأدلة والطرق إلى أحكام وفروع الفقه الموجودة في كتب الفقهاء أصولا، لان الكلام في أصول الفقه إنما هو كلام في كيفية دلالة ما يدل من هذه الأصول على الاحكام على طريق الجملة دون التفصيل، وأدلة الفقهاء إنما هي على نفس المسائل، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل ".
وهذا النص في مصدر من أقدم المصادر الأصولية في التراث الشيعي،