الكلام في فروع الفقه يبنى على أصول له وجب الابتداء بأصوله ثم اتباعها بالفروع، وكان الكلام في الفروع من دون إحكام أصله لا يثمر، وقد كان بعض المخالفين سأل فقال: إذا كنتم لا تعملون في الشرعيات إلا بقول المعصوم فأي فقر بكم إلى أصول الفقه، وكلامكم فيها كأنه عبث لا فائدة فيه " ففي هذا النص يربط ابن زهرة بين الحاجة إلى علم الأصول والثغرات في عملية الاستنباط، إذ يجعل التزام الامامية بالعمل بقول الإمام (عليه السلام) فحسب سببا لاعتراض القائل بأنهم ما داموا كذلك لا حاجة لهم بعلم الأصول، لان استخراج الحكم إذا كان قائما على أساس قول المعصوم مباشرة فهو عمل ميسر لا يشتمل على الثغرات التي تتطلب التفكير في وضع القواعد والعناصر الأصولية لملئها.
ونجد في نص للمحقق السيد محسن الأعرجي المتوفى سنة (1227) ه في كتابه الفقهي وسائل الشيعة وعيا كاملا لفكرة الحاجة التأريخية لعلم الأصول، فقد تحدث عن اختلاف القريب من عصر النص عن البعيد منه في الظروف والملابسات وقال في جملة كلامه: " أين من حظي بالقرب ممن ابتلى بالبعد حتى يدعى تساويهما في الغنى والفقر؟ كلا إن بينهما ما بين السماء والأرض، فقد حدث بطول الغيبة وشدة المحنة وعموم البلية، ما لولا الله وبركة آل الله لردها جاهلية. فسدت اللغات وتغيرت الاصطلاحات وذهبت قرائن الأحوال وكثرت الأكاذيب وعظمت التقية واشتد التعارض بين الأدلة حتى لا تكاد تعثر على حكم يسلم منه، مع ما اشتملت عليه من دواعي الاختلاف، وليس هنا أحد يرجع إليه بسؤال. وكفاك مائزا بين الفريقين قرائن الأحوال وما يشاهد في المشافهة من الانبساط والانقباض.. وهذا بخلاف من لم يصب إلا أخبارا مختلفة وأحاديث متعارضة يحتاج فيها إلى العرض على الكتاب والسنة المعلومة.. فإنه لا بد من الاعداد والاستعداد