يحمل بوضوح فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط ويسميها أدلة الفقه على الاجمال، ويميز بين البحث الأصولي والفقهي على أساس التمييز بين الأدلة الاجمالية والأدلة التفصيلية أي بين العناصر المشتركة والعناصر الخاصة في تعبيرنا وهذا يعني أن فكرة العناصر المشتركة كانت مختمرة وقتئذ إلى درجة كبيرة، والفكرة ذاتها نجدها بعد ذلك عند الشيخ الطوسي وابن زهرة والمحقق الحلي وغيرهم، فإنهم جميعا عرفوا علم الأصول بأنه " علم أدلة الفقه على وجه الاجمال " وحاولوا التعبير بذلك عن فكرة العناصر المشتركة.
ففي كتاب العدة قال الشيخ الطوسي: " أصول الفقه هي أدلة الفقه فإذا تكلمنا في هذه الأدلة فقد نتكلم فيما يقتضيه من إيجاب وندب وإباحة وغير ذلك من الأقسام على طريق الجملة، ولا يلزمنا عليها أن تكون الأدلة الموصلة إلى فروع الفقه، لان هذه الأدلة أدلة على تعيين المسائل، والكلام في الجملة غير الكلام في التفصيل ".
ومصطلح الاجمالية والتفصيلية يعبر هنا عن العناصر المشتركة والعناصر الخاصة.
ونستخلص مما تقدم أن ظهور علم الأصول والانتباه العلمي إلى العناصر المشتركة في عملية الاستنباط كان يتوقف على وصول عملية الاستنباط إلى درجة من الدقة والاتساع وتفتح الفكر الفقهي وتعمقه، ولهذا لم يكن من المصادفة أن يتأخر ظهور علم الأصول تاريخيا عن ظهور علم الفقه والحديث، وأن ينشأ في أحضان هذا العلم بعد أن نما التفكير الفقهي وترعرع بالدرجة التي سمحت بملاحظة العناصر المشتركة ودرسها بأساليب البحث العلمي، ولأجل ذلك كان من الطبيعي أيضا أن تختمر فكرة العناصر المشتركة تدريجا وتدق على مر الزمن حتى تكتسب صيغتها الصارمة وحدودها الصحيحة وتتميز