في اللفظ: اللحاظ العبوري الآلي تارة، واللحاظ الاستقلالي إليه أخرى - نظرا إلى اقتضاء الوضع لان يكون النظر إليه نظرا استقلاليا - فمدفوع بان النظر إلى شخص هذا اللفظ لا يكون الا عبوريا إلى طبيعة اللفظ التي قصد تحقق العلاقة والربط بينها وبين المعنى، و حينئذ فمتعلق اللحاظ الاستقلالي انما كان هو طبيعة اللفظ التي قصد تحقق العلقة بينها و بين المعنى، ومتعلق اللحاظ الآلي كان هو شخص هذا اللفظ، ومعه لم يجتمع اللحاظان في موضوع واحد كي يتوجه عليه محذور الاستحالة المزبورة، كما هو واضح. وحينئذ فلا ينبغي الاشكال في صحة هذا القسم من الوضع وامكانه.
بل قد يدعى كما عن المحقق الخراساني (قدس سره) لزوم انتهاء الأوضاع التخصصية أيضا إلى مثل هذا النحو من الوضع التخصيصي وانه لابد في تحقق العلقة الوضعية بين اللفظ والمعنى من القصد إلى تحققها في أحد تلك الاستعمالات والا فبدونه لا يكاد يجدي مجرد الاستعمال في تحققها ولو بلغ الاستعمال في الكثرة ما بلغ، فلذلك أورد على تقسيم المشهور للوضع بالوضع التعيني تارة وبالتعييني أخرى وقال: بأنه لا مجال لهذا التقسيم وان الحري هو حصره بخصوص التعييني بالجعل والانشاء غايته بالأعم من الانشاء القولي و الفعلي. ولكن يرد عليه بأنه انما يتوجه هذا الاشكال فيما لو كان سنخ هذا النحو من العلاقة والربط بجميع أفراده جعليا بحيث يحتاج في تحققها إلى توسيط انشاء وجعل في البين، ولكنه ممنوع بل نقول بأنها كما تتحقق بالانشاء القولي أو الفعلي كذلك تتحقق بواسطة كثرة الاستعمال كما نشاهد بالوجدان والعيان في استعمالنا الألفاظ في المعاني المجازية حيث نرى بأنه بكثرة الاستعمال يحدث مرتبة من العلاقة بينه وبين المعنى الثاني وبهذا المقدار يضعف علاقته عن المعنى الأول بحيث كلما كثرت الاستعمالات تضعف علاقته للمعنى الأول ويشتد في قباله العلاقة بينه وبين المعنى الثاني إلى أن تبلغ بحد يصير المعنى الأول مهجورا بالمرة وتصير العلاقة التامة بينه وبين المعنى الثاني بحيث لو أريد منه المعنى الأول لاحتاج إلى إقامة قرينة في البين، ومع هذا الوجدان لا مجال لانكار هذا القسم من الوضع، كما هو واضح. نعم لهذا الاشكال مجال فيما لو أريد تحقق تلك العلقة و الارتباط دفعة واحدة لا بنحو التدريج، ولكنه لم يدع أحد مثل ذلك بل وان كل من يدعى وجود هذا القسم من الوضع يدعى تحققها شيئا فشيئا بنحو التدريج، ومن المعلوم ان مثل هذا المعنى امر ممكن بل واقع كما ذكرنا.