فيه أصلا، إذ القواعد المزبورة حينئذ من مبادئ اتصاف هذه الأمور بالصحة في قبال مبادئ ايجاد هذه الأمور الصحيحة خارجا فارغا عن أصل اتصافها بها فتكون من قبيل المقدمة المنحصرة لتصحيح الأمور المزبورة من دون مدخلية لشئ آخر فيه، من جهة انه بمجرد جعل القواعد يترتب عليها الاتصاف بالصحة الذي هو الغرض من العلم والفن وان لم يتحقق بعد في الخارج أصلا، فان مبادئ الوجود غير مرتبط بمبادئ اتصاف الشئ بالصحة، هذا إذا جعلنا الاغراض من العلوم المتداولة عبارة عن تصحيح الأعمال القابلة للصدور من فاعلها قولا أو فعلا أو استنباطا أو غيرها، ولقد عرفت في مثله ترتب العنوان المزبور بقول مطلق على نفس القواعد الواقعية بلا مدخلية الشئ آخر فيه.
واما لو جعلنا الاغراض عبارة عن وجود الأعمال الصحيحة في الخارج كحفظ الكلام هيئة في النحو ومادة في الصرف وحفظ فعل المكلف في الفقه وحفظ استنباط الاحكام في القواعد الأصولية بل وحفظ استنباط حقايق الأشياء ومعرفتها في مثل قواعد العلوم الفلسفية والرياضية وهكذا، فلا جرم ما يترتب على القواعد حينئذ لما لا يكون الا الحفظ من جهة، لا الحفظ على الاطلاق، من جهة وضوح استحالة ترتبة حينئذ على نفس القواعد الواقعية، بل ولا على العلم بها أيضا لمكان مدخلية إرادة العالم والمحصل لها في ذلك أيضا، فلابد وأن يكون الغرض والمقصد الأصلي الذي هو مورد ارادته النفسية عبارة عما يترتب على هذه القواعد وليس هو الا الحفظ من جهة الراجع إلى سد باب عدمه من قبلها، لا الحفظ بقول مطلق، من جهة ان ذلك مما يستحيل تمشى الإرادة التوصلية بالنسبة إليه لأنها لا تكاد تتعلق الا بما يترتب على ذيها، بل ومثل هذا المعنى جار في كل امر كان لإرادة الغير مدخل في تحققه كما في الملكية في البيع مثلا ونحوها، فإنها من جهة إناطتها في التحقق على ايجاب البايع وقبول المشترى لا يكاد تمشى الإرادة والقصد الجدي من البايع في ايجابه إلى حصول الملكية في الخارج بقول مطلق، بل ما هو المتمشى من قبله لا يكون الا التوصل إلى وجود الملكية من ناحية ايجابه الراجع إلى سد باب عدمها من قبله، لا السد بقول مطلق، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في كلية الخطابات الشرعية والأحكام التكليفية المتعلقة بأفعال المكلفين حيث إنه لا يكون الغرض والمقصود من الايجاب والخطاب أيضا فيها الا حفظ وجود المرام من ناحية ايجابه وخطابه لا الحفظ على الاطلاق، فان ذلك مما لا يكاد ترتبه على مجرد ايجابه وخطابه،