وقت الحاجة فعل فعلا يمكن أن يكون بيانا له، فإنا نعلم بذلك بيان ما خاطبنا به أولا.
وإن كان الوقت وقت الحاجة، ففعل عقيب الخطاب فعلا يمكن أن يكون بيانا له، فإنا نعلم به المراد، ونعلم أنه متعلق به، لأنه لو لم يكن متعلقا به لكان قد أخلى خطابه من بيان مع الحاجة إليه، وذلك لا يصح، ولهذا قلنا إنه لا فرق بين أن يقول:
" صلوا صلاة الساعة " ثم يتبعها بالقول، وبين أن يقوم فيصلى عقيب هذا القول صلاة، فإنا نعلم تلك الصلاة بيانا لما قدم القول فيه، ولا فرق بين الموضعين.
فإن قيل: إذا قلتم: إنه لا يمتنع أن يقول لنا: " إذا خاطبتكم بالمجمل وفعلت بعده فعلا فاعلموا أنه بيان له "، فقد عدتم إلى أن البيان حصل بالقول ودون الفعل.
قيل له: ليس الأمر على ذلك، بل البيان لا يقع إلا بالفعل في الموضع الذي ذكروه، وإنما يعلم بقوله تعلق فعله بالقول المجمل، وأما بيان صفته فإنه يحصل بالفعل دون القول على ما بيناه.
ويدل على ذلك أيضا: رجوع المسلمين بأجمعهم في عهد الصحابة ومن بعدهم في بيان صفة الصلاة، والحج، والطهارة، إلى أفعال النبي (1) عليه السلام وتبينوا بذلك قوله تعالى: (أقيموا الصلاة) (2) و (لله على الناس حج البيت) (3)، فلولا أنهم علموا أن ذلك يقع به البيان، وإلا لم يجز الرجوع إليه.
ويدل أيضا على ذلك: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه: " صلوا كما رأيتموني أصلي " (4) و " خذوا عنى مناسككم " (5) فأحالهم في بيان (1) صلى الله عليه وآله وسلم.
(2) البقرة: 43.
(3) آل عمران: 97.
(4) المعتبر 2: 227، بحار الأنوار 85: 279، صحيح البخاري: ب 18 كتاب الأذان ح 27، مستند أحمد 5: 53، السنن الكبرى 2: 345.
(5) السنن الكبرى 5: 125، ورواه أيضا مسلم عن جابر، والنسائي بلفظ " يا أيها الناس خذوا عني مناسككم ".