لأنه لا يصح أن يعرف الشريعة من جهته (1)، فقد ناقض، لان التعبد بشريعة يقتضى صحة العلم بها من جهته فاما (2) من قال: انه تعبد بأشياء من شريعته بأمر مبتدأ وامر ثان يرجع في معرفة ذلك إليهم.
فالذي يدل على بطلان قوله: ما قدمناه من الأدلة، وان كان هذا الوجه لا يقتضى كونه متعبدا بشريعتهم إذا امر بذلك أمرا مبتدأ، لو صح ما ادعوه، فكيف وذلك لا يصح!
واعلم أنه لولا ما قدمناه من الدليل على كونه أفضل الأنبياء، ما كان يمتنع عقلا أن يتعبد يتعبد بمثل شريعتهم، لان المصالح تختلف وتتفق وكلا الامرين يجوز فيها، فلا يمتنع ان يعلم الله تعالى ان صلاح النبي الثاني وصلاح أمته بخلاف شريعة الأول فيتعبده به، وعلى هذا جرت سنة الله تعالى في أكثر الأنبياء. ولا يمتنع أيضا ان يعلم أن صلاح الثاني وأمته في مثل شريعة الأول فيتعبده بها.
وليس لاحد أن يقول: ذلك لا يجوز، لأنه لو كان كذلك لم يكن في بعثة النبي الثاني واظهار المعجزة عليه فائدة، لان شريعته معلومة من جهة غيره.
وذلك إنا إنما نجوز بعثة النبي الثاني بشريعة النبي الأول إذا كانت تلك الشريعة قد اندرست وصارت بحيث لا يعلم الا من جهة النبي الثاني، أو بأن يكون النبي الأول مبعوثا إلى قوم بأعيانهم ويبعث الثاني إلى غيرهم، أو أن يراد في شريعة الثاني زيادة لا تعلم الا من جهته. فبهذه الوجوه تخرج بعثته من أن تكون عبثا.
فان قيل: كيف يجري (3) هذا التقدير على ما تعتقدون أنتم من أن كل شرع لابد