الشأن الباقي على مر الدهور «لرحمة» أي نعمة عظيمة «وذكرى» أي تذكرة «لقوم يؤمنون» أي لقوم همهم الايمان لا التعنت كأولئك المقترحين وقيل إن ناسا من المؤمنين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتف فيها بعض ما يقوله اليهود فقال كفى بها ضلالة قوم ان يرغبوا عما جاء به نبيهم إلى ما جاء به غير نبيهم فنزلت «قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا» بما صدر عني وعنكم «يعلم ما في السماوات والأرض» أي من الأمور التي من جملتها شأني وشأنكم فهو تقرير لما قبله من كفايته تعالى شهيدا «والذين آمنوا بالباطل» وهو ما يعبد من دون الله تعالى «وكفروا بالله» مع تعاضد موجبات الايمان به «أولئك هم الخاسرون» المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالايمان بأن ضيعوا الفطرة الأصلية والأدلة السمعية الموجبة للايمان والآية من قبيل المجادلة بالتي هي أحسن حيث لم يصرح بنسبة الايمان بالباطل والكفر بالله والخسران إليهم بل ذكر على منهاج الابهام كما في قوله تعالى وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين «ويستعجلونك بالعذاب» على طريقة الاستهزاء بقولهم متى هذا الوعد وقولهم أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ونحو ذلك «ولولا أجل مسمى» قد ضربه الله تعالى لعذابهم وبينه في اللوح «لجاءهم العذاب» المعين لهم حسبما استعجلوا به قيل المراد بالأجل يوم القيامة لما روى انه تعالى وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعذب قومه بعذاب الاستئصال وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقيل يوم بدر وقيل وقت فنائهم بآجالهم وفيه بعد ظاهر لما أنهم ما كانوا يوعدون بفنائهم الطبيعي ولا كانوا يستعجلون به «وليأتينهم» جملة مستأنفة مبينة لما أشير اليه في الجملة السابقة من مجئ العذاب عند محل الاجل أي وبالله ليأتينهم العذاب الذي عين لهم عند حلول الاجل «بغتة» أي فجأة «وهم لا يشعرون» أي بإتيانه ولعل المراد بإتيانه كذلك انه لا يأتيهم بطريق التعجيل عند استعجالهم والإجابة إلى مسئولهم فإن ذلك إتيان برأيهم وشعورهم لا أنه يأتيهم وهم غارون آمنون لا يخطرونه بالبال كدأب بعض العقوبات النازلة على بعض الأمم بياتا وهم نائمون أو ضحى وهم يلعبون لما ان إتيان عذاب الآخرة وعذاب يوم بدر ليس من هذا القبيل «يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين» استئناف مسوق لغاية تجهيلهم وركاكة رأيهم وفيه دلالة على أن ما استعجلوه عذاب الآخرة أي يستعجلونك بالعذاب والحال أن محل العذاب الذي لا عذاب فوقه محيط بهم كأنه قيل يستعجلونك بالعذاب وإن العذاب لمحيط بهم أي سيحيط بهم وإنما
(٤٤)