إليها «إن الله لغني عن العالمين» فلا حاجة له إلى طاعتهم وإنما أمرهم بها تعريضا لهم للثواب بموجب رحمته «والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم» الكفر بالايمان والمعاصي بما يتبعها من الطاعات «ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون» أي أحسن جزاء أعمالهم لا جزاء أحسر أعمالهم فقط «ووصينا الإنسان بوالديه حسنا» أي بإيتاء والديه وإيلائهما فعلا ذا حسن أو ما هو في حد ذاته حسن لفرط حسنة كقوله تعالى وقولوا للناس حسنا ووصى يجرى مجرى أمر معنى وتصرفا غير انه يستعمل فيما كان في المأمور به نفع عائد إلى المأمور أو غيره وقيل هو بمعنى قال فالمعنى وقلنا أحسن بوالديك حسنا وقيل انتصاب حسنا بمضمر على تقدير قول مفسر للتوصية أي وقلنا أولهما أو أفعل بهما حسنا وهو أوفق لما بعده وعليه يحسن الوقف على بوالديه وقرئ حسنا وإحسانا «وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم» أي بالهيته عبر عن نفيها بنفي العلم بها للإيذان بان ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وإن لم يعلم بطلانه فكيف بما علم بطلانه «فلا تطعهما» في ذلك فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا بد من إضمار القول إن لم يضمر فيما قبل وفي تعليق النهى عن طاعتهما بمجاهدتهما في التكاليف إشعار بأن موجب النهى فيما دونها من التكليف ثابت بطريق الأولوية «إلي مرجعكم» أي مرجع من آمن منكم ومن أشرك ومن بر بوالديه ومن عق «فأنبئكم بما كنتم تعملون» بأن أجازى كلا منكم بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر والآية نزلت في سعد بن أبي وقاص رضى الله تعالى عنه عند إسلامه حيث حلفت أمه حمنة بنت أبي سفيان ابن أمية ان لا تنتقل من الضح إلى الظل ولا تطعم ولا تشرب حتى يرتد فلبثت ثلاثة أيام كذلك وكذا التي في سورة لقمان وسورة الأحقاف وقيل نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وذلك انه هاجر مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى نزلا المدينة فخرج أبو جهل والحرث أخواه لأمه أسماء فنزلا بعياش وقالا له إن من دين محمد صلى الله عليه وسلم صلة الأرحام وبر الوالدين وقد تركت أمك لا تطعم ولا تشرب ولا تأوى بيتا حتى تراك فأخرج معنا وفتلا منه في الذروة والغارب واستشار عمر رضي الله عنه فقال هما يخدعانك ولك على أن أقسم مالي بيني وبينك فما زالا به حتى أطاعهما وعصى عمر رضي الله عنه فقال عمر رضي الله عنه أما إذا عصيتني فخذنا فتى فليس في الدنيا بعير يلحقها فإن رابك منهما ريب فارجع فلما انتهوا إلى البيداء قال أبو جهل إن ناقتي قد كلت فاحملني معك فنزل ليوطئ لنفسه وله فأخذاه فشداه وثاقا وجلده كل واحد مائه جلده وذهبا به إلى أمه فقالت لا تزال في عذاب حتى ترجع عن دين محمد «والذين آمنوا وعملوا
(٣١)