أن الحوت سار مع السفينة رافعا رأسا يتنفس فيه يونس عليه السلام ويسبح ولم يفارقهم حتى انتهو إلى البر فلفظه سالما لم يتغير منه شئ فأسلموا وروى ان الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل واختلف في مقدار لبثه فقيل أربعون يوما وقيل عشرون وقيل سبعة وقيل ثلاثة وقيل لم يلبث إلا قليلا ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه روى عطاء انه حين ابتلعه أوحى الله تعالى إلى الحوت إني جعلت بطنك له سجنا ولم أجعله لك طعاما «وهو سقيم» مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد «وأنبتنا عليه» أي فوقه مظلة عليه «شجرة من يقطين» وهو كل ما ينبسط على الأرض ولا يقوم على ساق كشجر البطيخ والقثاء والحنظل وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به والأكثرون على أنه الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه ويدل عليه انه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك تحب القرع قال أجل هي شجرة أخي يونس وقيل هي التين وقيل الموز تغطي بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره وقيل كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها «وأرسلناه إلى مائة ألف» هم قومه الذين هرب منهم وهم أهل نينوى والمراد به إرساله السابق أخبر أولا بأنه من المرسلين على الإطلاق ثم اخبر بأنه قد أرسل إلى أمة جمة وكأن توسيط تذكير وقت هربه إلى الفلك وما بعده بينهما لتذكير سببه وهو ما جرى بينه عليه الصلاة والسلام وبين قومه من إنذاره إياهم عذاب الله تعالى وتعيينه لوقت حلوله وتعللهم وتعليقهم لإيمانهم بظهور أماراته كما مر تفصيله في سورة يونس ليعلم أن إيمانهم الذي سيحكى بعد لم يكن عقيب الإرسال كما هو المتبادر من ترتيب الايمان عليه بالفاء بل بعد اللتيا والتي وقيل هو إرسال آخر إليهم وقيل إلى غيرهم وليس بظاهر «أو يزيدون» أي في مرأى الناظر فإنه إذا نظر إليهم قال إنهم مائة الف أو يزيدون والمراد هو الوصف بالكثرة وقرئ بالواو «فآمنوا» أي بعد ما شاهدوا علائم حلول العذاب إيمانا خالصا «فمتعناهم» أي بالحياة الدنيا «إلى حين» قدره الله سبحانه لهم قيل ولعل عدم ختم هذه القصة وقصة لوط بما ختم به سائر القصص للتفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع وأولى العزم من الرسل أو اكتفاء بالتسليم بالشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة «فاستفتهم» امر الله عز وجل في صدر السورة الكريمة رسوله صلى الله عليه وسلم بتبكيت قريش وإبطال مذهبهم في إنكار البعث بطريق الاستفتاء وساق البراهين القاطعة الناطقة بتحققه لا محالة وبين وقوعه وما سيلقونه عند ذلك من فنون العذاب واستثنى منهم عباده المخلصين وفصل ما لهم من النعيم المقيم ثم ذكر انه قد ضل من قبلهم أكثر الأولين
(٢٠٦)